الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

وقوله سبحانه: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَـٰهَدُواْ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءاوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } ، مَقْصِدُ هذه الآية وما بعدها: تبيينُ منازل المهاجرين والأنصار، والمؤمنين الذين لم يُهَاجِرُوا، وذكر المهاجرين بَعْد الحديبية، فقدَّم أوَّلاً ذِكْرَ المهاجرين، وهُمْ أصل الإِسلام، وتأمَّل تقديمَ عُمَرَ لهم في الاستشارةِ، وَهَاجَرَ: معناه: هَجَرَ أهله وقرابته، وهَجَرُوهُ، { وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُواْ }: هم الأنصارُ، فحكَمَ سبحانه على هاتَيْنِ الطائفتين؛ بأن بَعْضَهُم أولياءُ بَعْضٍ، فقال كثيرٌ من المفسِّرين: هذه الموالاةُ: هي المؤازرة، والمعاونة، وٱتصالُ الأيدي، وعليه فَسَّر الطبريُّ الآية، وهذا الذي قالوه لازم من دلالة لفظ الآية، وقال ابن عبَّاسٍ وغيره: هذه الموالاةُ هي في المواريث؛ وذلك أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم آخَى بين المهاجرين والأنصار، فكان المهاجريُّ إذا ماتَ، ولم يكُنْ له بالمدينةِ وليٌّ مهاجريٌّ، ورثه أخوه الأنْصَارِيُّ، وكان المسلم الذي لم يُهَاجِرْ لا ولايَةَ بينه، وبَيْنَ قريبه المهاجريِّ، ولا يرثه، ثم نُسِخَ ذلك بقوله سبحانه:وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ... } الآية [الأنفال:75]؛ وعلى التأويلين، ففي الآية حضٌّ على الهجرة، قال أبو عُبَيْدَة: الوِلاَيَةُ - بالكسر - من وَليتُ الأَمْرَ إِليه، فهي في السلطان، وبالفَتْحِ هي من المَوْلَى؛ يقال: مَوْلَى بَيِّنَ الوَلاَيَةِ - بفتح الواو -.

وقوله سبحانه: { وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ } ، يعني: إِن ٱستدعَى هؤلاء - المؤمنون الذين لم يُهَاجِروا نَصْرَكُمْ - { فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ }؛ فلا تنصروهم عليهم؛ لأَنَّ ذلك غَدْرٌ ونقْضٌ للميثاق.