الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ } * { فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَآ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ }

وقوله سبحانه: { وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَـٰهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَـٰتاً أَوْ هُمْ قَائِلُونَ } قالت فرقة: المراد وكم من أَهْلِ قرية.

وقالت فرقة: اللفظ يَتَضَمَّنُ هَلاَكَ القرية وأهلها، وهو أعظم في العُقُوبَةِ، و«الفاء» في قوله سُبْحَانَهُ: { فَجَاءَهَا بَأْسُنَا } لترتيب القَوْلِ فقط.

وقيل: المعنى أَهْلَكْنَاهَا بالخذلان، وعدم التوفيق، فجاءها بَأْسُنَا بعد ذَلِكَ و { بَيَٰتاً } ، نصب على المصدر في مَوْضِعٍ الحال، و { قَائِلُونَ } من القائلة، وإنما خَصَّ وَقْتَيِ الدَّعَةِ والسكون؛ لأن مجيء العَذَابِ فيهما أَفْظَعُ وأَهْوَلُ؛ لما فيه من البَغْتَةِ والفَجْأَةِ.

قال أبو حيان: أو للتفصيل، أي: جاء بعضهم بَأْسُنَا لَيْلاً، وبعضهم نَهَارَاً انتهى.

وقوله عز وجل: { فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا إِلاَّ أَن قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظَـٰلِمِينَ } هذه الآية يَتَبَيَّنُ منها أن ٱلمرَادَ في الآية قبلها أهل القُرَى، والدعوى في كلام العَرَبِ تأتي لمعنيين:

أحدهما: الدعاء، ومنه قوله عَزَّ وَجَلَّ:فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ } [الأنبياء: 15].

والثاني: الادِّعاءُ، وهذه الآية تَحْتَمِلُ المعنيين، ثم استثنى سُبْحَانَهُ من غير الأول كأنه قال: لم يكن منهم دُعَاءٌ أو ادِّعَاءٌ إِلاَّ الإقرار، والاعتراف، أي: هذا كان بَدَلَ الدعاء، والادعاء، واعترافهم.

وقولهم: { إِنَّا كُنَّا ظَـٰلِمِينَ } هو في المُدَّةِ التي ما بين ظُهُورِ العَذَابِ إلى إتيانه على أنفسهم، وفي ذلك مُهْلَةٌ بحسب نَوْعِ العذاب تَتَّسِعُ لهذه المَقَالَةِ، وغيرها.

وروى ابن مَسْعُودٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما هَلَكَ قَوْمٌ حتى يعذروا من أنفسهم ".