الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ يَابَنِيۤ ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }

وقوله عز وجل: { يَـٰبَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ ٱلْجَنَّةِ } الآية: خطاب لجميع العالم، والمقصود بها في ذلك الوَقْتِ مَنْ كان يطوف من العَرَبِ بالبيتِ عُرْيَاناً.

قيل: كانت العَرَبُ تَطُوفُ عُرَاةً إِلا الحُمْس، وهم قريش، ومن وَالاَهَا، وهذا هو الصحيح، ثم نودي بـــ «مكة» في سنة تسع: لا يحجّ بعد العام مُشْرِكٌ، ولا يطوف بالبيت عريان والفتنة في هذه الآية الاسْتِهْوَاءُ، والغَلَبَةُ على النفس، وأضاف الإِخْرَاجَ في هذه الآية إلى إبليس تجوُّزاً لما كان هو السَّبَب في ذلك.

قال أبو حيان: { كَمَا أَخْرَجَ } «كما» في موضع نَصْبٍ، أي: فتنة مثل فتنة إِخْرَاجِ أبويكم انتهى.

وقوله سبحانه: { إِنَّهُ يَرَاكُمْ... } الآية زيادة في التحذير، وإعلام بأن اللَّه عز وجل قد مَكَّنَ إبليس من بَني آدَمَ في هذا القدر، وبحسب ذلك يَجِبُ أن يكون التَّحَرُّزُ بِطَاعَةِ اللَّه عز وجل وقَبِيلُ الشيطانُ يُرِيدُ نوعه، وصنفه، وذريته، والشيطان مَوْجُودٌ، وهو جسم.

قال النووي: وروينا في كتاب ابن السّني عن أَنَسٍ قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: " ستر ما بين أَعْيُنِ الجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ المُسْلِمُ إِذَا أَراد أن يطرح ثِيَابَهُ: بسم اللَّه الذي لا إلٰه إِلاَّ هُوَ " انتهى.

وعن علي رضي اللَّه عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ستر ما بين الجنِّ وعَوْرَاتِ بني آدَمَ إِذا دَخَلُوا الكُنُفَ أَن يقولوا: بسم اللَّه ". رواه الترمذي، وقال: إسناده ليس بالقَوِيِّ.

قال النووي: قال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويُسْتَحَبُّ العَمَلُ في الفَضَائِلِ، والترغيب، والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعاً وأما الأحكام كالحَلاَلِ، والحرام، والبيع، والنكاح، والطلاق، وغير ذلك فلا يُعْمَلُ فيها إلا بالحديث الصحيح، أو الحسن إلا أن يكون في احْتِيَاطٍ في شيء من ذلك، كما إذا ورد حديث ضعيف بكَرَاهِةِ بعض البيوع، أو الأنكحة، فإن المستحبَّ أن يتنزَّه عنه، ولكن لا يَجِبُ انتهى.

ونحوه لأبي عمر بن عبد البر في كتاب «فضل العلم»: ثم أخبر عز وجل أنه صَيَّرَ الشياطين أولياء، أي: صحابة، ومتداخلين للكفرة الذين لا إيمان لهم.