الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَماَّ تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا فَتَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } * { وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلآ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ } * { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَٰمِتُونَ }

وقوله: جلَّت عظمته: { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ... } الآية.

قال جمهورُ المفسِّرين: المراد بالنَّفْسِ الواحدة: آدم عليه السلام، وبقوله: { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } حَوَّاء، وقولُه: { مِنْهَا } هو ما تقدَّمَ ذكْره مِنْ أنَّ آدمَ نام، فٱسْتُخْرِجَتْ قُصْرَىٰ أضلاعِهِ، وخُلِقَتْ منها حَوَّاءُ.

وقوله: { لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } ، أي: ليأنسَ، ويطمئنَّ، وكان هذا كلُّه في الجنة.

ثم ابتدأ بحالةٍ أخرَى، وهي في الدنيا بعد هبوطهما، فقال: { فَلَمَّا تَغَشَّاهَا } ، أي: غَشِيَها، وهي كناية عن الجِمَاع، والحَمْلُ الحفيف: هو المنيُّ الذي تحمله المرأة في رَحِمِهَا. وقوله: { فَمَرَّتْ بِهِ } أي: ٱستمرَّت به، وقرأَ ابنُ عبَّاس: «فٱسْتَمَرَّتْ بِهِ»، وقرأ ابن مسعود: «فَٱسْتَمَرَّتْ بِحَمْلِهَا» وقرأ عبد اللَّه بن عمرو بن العاص: «فَمَارَتْ بِهِ»، أي جاءَتْ به، وذهَبَتْ، وتصرَّفَت؛ كما تقولُ: مَارَتِ الرِّيحُ مَوْراً، و { أَثْقَلَت }: دخلَتْ في الثِّقل، كما تقول: أصْبَحَ وأمْسَى، والضمير في قوله { دَّعَوَا } ، على هذا التأويل: عائدٌ على آدم وحوَّاء، وروي في قصص ذلك؛ أن الشيطانَ أشار عَلَى حواء، أن تُسَمِّيَ هذا المولودَ «عَبْدَ الحَارث»، وهو اسْمُ إبليسَ، وقال لها: إِن لم تفعلي قَتَلْتُهُ، فزعموا أنهما أطاعاه؛ حرْصاً علَى حياة المولود، فهذا هو الشِّرك الذي جَعَلاَ لِلَّهِ، في التسمية فَقَطْ.

وقال الطبريُّ والسديُّ في قوله: { فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } كلامٌ منفصلٌ من خَبَرِ آدم وحَوَّاء، يراد به مشركُو العرب.

* ت *: وينزه آدم وحواء عن طاعتهما لإبليس، ولم أقِفْ بَعْدُ عَلَىٰ صحَّة ما رُوِيَ في هذه القِصَصِ، ولو صَحَّ، لوجب تأويله، نَعَمْ؛ روى الترمذيُّ عن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَمَّا حَمَلَتْ حَوَّاءُ، طَافَ بِهَا إبْلِيسُ، وكانَ لا يَعيشُ لَهَا وَلَدٌ، فَقَالَ لَهَا: سَمِّيهِ عَبْدَ الحَارِثِ، فَسَمَّتْهُ عَبْدَ الحَارِثِ، فَعَاشَ ذَلِكَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ وَحْيِ الشَّيْطَان، وأَمْرِهِ، قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، انفرد به عُمَرُ بنُ إبراهيم، عن قَتَادَةَ، وعمرُ شَيْخٌ بصريٌّ. انتهى.

وهذا الحديثُ ليس فيه أنهما أطاعاه، وعَلَىٰ كلِّ حالٍ: الواجبُ التوقُّفْ، والتنزيهُ لِمَنْ ٱجتباه اللَّه، وحُسْنُ التأويل ما أمكن، وقد قال ابنُ العربيِّ في توهينِ هذا القَوْل وتزييفِهِ: وهذا القولُ ونحوه مذكُورٌ في ضعيف الحديثِ في الترمذيِّ وغيره، وفي الإِسرائيليات التي لَيْسَ لها ثباتٌ، ولا يعوِّل عليها مَنْ له قَلْبٌ، فإِنَّ آدم وحواء - وإِن كانا غرَّهما باللَّهِ الغَرُورُ - فلا يُلْدَغُ المؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مرّتين، وما كانا بعْدَ ذلك لِيقْبَلاَ له نُصْحاً، ولا يسمعا له قَوْلاً، والقولْ الأشبه بالحَقِّ: أن المراد بهذا جنْسُ الآدميين. انتهى من «الأحكام».

قال * ع *: وقوله { صَـٰلِحاً }: قال الحَسَن: معناه: غُلاَماً، وقال ابن عباس؛ وهو الأظهر: بَشَراً سَوِّياً سليماً.

السابقالتالي
2