وقوله سبحانه: { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَـٰبَ... } الآية: خَلَفَ معناه: حَدَثَ خَلْفَهم وبعدهم، و { خَلْفٌ } - بإِسكان اللام - يستعمل في الأشهر: في الذَّمِّ.
وقوله سبحانه: { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ } إشارةٌ إِلى الرُّشَاوالمكاسب الخبيثة، والعَرَضُ: ما يَعْرِضُ وَيعنُّ، ولا يثبُتُ، والأَدنَى: إِشارةٌ إِلَى عيشِ الدنيا، وقولهم: { سَيُغْفَرُ لَنَا } ذمٌّ لهم بٱغترارهم، وقولهِمْ { سَيُغْفَرُ لَنَا } ، مع علمهم بما في كتاب اللَّهِ، مِنَ الوعيد على المعاصي، وإِصرارِهِم، وأنَّهم بحالٍ إِذا أمكنَتْهم ثانيةً ٱرتكبوها، فهؤلاء عَجَزَةٌ؛ كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " والعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّىٰ عَلَى اللَّهِ " ، فهؤلاءِ قطعوا بالمغفرة وهم مُصِرُّون، وإِنما يقول: { سَيُغْفَرُ لَنَا } مَنْ أقلع ونَدِمَ.
وقوله سبحانه: { أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ ٱلْكِتَـٰبِ... } الآية: تشديدٌ في لزوم قول الحقِّ على اللَّه في الشَّرْع والأحكام، وقوله: { وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ } معطوفٌ على قوله: { أَلَمْ يُؤْخَذْ }؛ لأنه بمعنى المُضِيِّ، والتقديرُ: أَلَيْسَ قد أُخِذَ عليهم ميثاقُ الكتابِ، ودَرَسُوا ما فيه، وبهذَيْنِ الفعْلَيْنِ تقومُ الحجَّة عليهم في قولهم الباطَل، وقرأ أبو عبد الرحمٰن السُّلَمِيُّ: «وَٱدَّارَسُوا مَا فِيه».
ثم وعظ وذكَّر تبارَكَ وتعالىٰ بقوله: { وَٱلدَّارُ ٱلأَخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } ، وقرأ أبو عمرو: «أَفَلاَ يَعْقِلُونَ» - بالياء - من أسْفَلُ.
وقوله سبحانه: { وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَـٰبِ } عطْفٌ على قوله: { لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ } ، وقرأ عاصمٌ وحْده؛ في رواية أبي بَكْرٍ «يُمْسِكُونَ» - بسكون الميم، وتخفيف السين، وقرأ الأعمش: «والَّذينَ ٱسْتَمْسَكُوا».