الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَٰبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَابِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ }

وقوله سبحانه: { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَـٰبَ... } الآية: خَلَفَ معناه: حَدَثَ خَلْفَهم وبعدهم، و { خَلْفٌ } - بإِسكان اللام - يستعمل في الأشهر: في الذَّمِّ.

وقوله سبحانه: { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ } إشارةٌ إِلى الرُّشَاوالمكاسب الخبيثة، والعَرَضُ: ما يَعْرِضُ وَيعنُّ، ولا يثبُتُ، والأَدنَى: إِشارةٌ إِلَى عيشِ الدنيا، وقولهم: { سَيُغْفَرُ لَنَا } ذمٌّ لهم بٱغترارهم، وقولهِمْ { سَيُغْفَرُ لَنَا } ، مع علمهم بما في كتاب اللَّهِ، مِنَ الوعيد على المعاصي، وإِصرارِهِم، وأنَّهم بحالٍ إِذا أمكنَتْهم ثانيةً ٱرتكبوها، فهؤلاء عَجَزَةٌ؛ كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " والعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّىٰ عَلَى اللَّهِ " ، فهؤلاءِ قطعوا بالمغفرة وهم مُصِرُّون، وإِنما يقول: { سَيُغْفَرُ لَنَا } مَنْ أقلع ونَدِمَ.

وقوله سبحانه: { أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ ٱلْكِتَـٰبِ... } الآية: تشديدٌ في لزوم قول الحقِّ على اللَّه في الشَّرْع والأحكام، وقوله: { وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ } معطوفٌ على قوله: { أَلَمْ يُؤْخَذْ }؛ لأنه بمعنى المُضِيِّ، والتقديرُ: أَلَيْسَ قد أُخِذَ عليهم ميثاقُ الكتابِ، ودَرَسُوا ما فيه، وبهذَيْنِ الفعْلَيْنِ تقومُ الحجَّة عليهم في قولهم الباطَل، وقرأ أبو عبد الرحمٰن السُّلَمِيُّ: «وَٱدَّارَسُوا مَا فِيه».

ثم وعظ وذكَّر تبارَكَ وتعالىٰ بقوله: { وَٱلدَّارُ ٱلأَخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } ، وقرأ أبو عمرو: «أَفَلاَ يَعْقِلُونَ» - بالياء - من أسْفَلُ.

وقوله سبحانه: { وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَـٰبِ } عطْفٌ على قوله: { لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ } ، وقرأ عاصمٌ وحْده؛ في رواية أبي بَكْرٍ «يُمْسِكُونَ» - بسكون الميم، وتخفيف السين، وقرأ الأعمش: «والَّذينَ ٱسْتَمْسَكُوا».