الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } * { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } * { فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ }

وقوله سبحانه: { وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ... } الآية: قال بعضُ المتأوِّلين: إِن اليهودَ المعاصرينَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: إِنَّ بني إِسرائيل لم يَكُنْ فيهم عصْيانٌ، ولا معاندةٌ لمَا أُمرُوا به، فنزلَتْ هذه الآيةُ موبِّخة لهم، فسؤالهم إِنَّما هو عَلىٰ جهة التوبيخِ، والقريةُ هنا: أَيْلَةُ، قاله ابن عباس وغيره، وقيل: مَدْيَن، و«حاضِرة البَحْر»، أي: البحر فيها حاضرٌ، ويحتملُ أنْ يريد معنى «الحاضرة»؛ على جهة التعظيم لها، أي: هي الحاضرةُ في مُدُن البَحْر، و { يَعْدُونَ }: معناه: يخالفون الشرْعَ؛ مِنْ عَدَا يَعْدُو، و { شُرَّعاً } ، أي: مقبلة إِليهم مُصْطَفَّة، كما تقولُ: شُرِعَتِ الرماحُ إِذا مُدَّتْ مصطَفَّة، وعبارةُ البخاري { شُرَّعاً } أيْ: شوارِعَ انتهى.

والعامل في قوله: { وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ } قولُهُ: { لاَ تَأْتِيهِمْ } ، وهو ظرفٌ مقدَّم، ومعنى قوله { كَذَٰلِكَ } الإشارةُ إلى أمر الحُوت، وفِتنَتِهِمْ به، هذا عَلَىٰ من وَقَفَ على { تَأْتِيهِمْ } ، ومن وقف على { كَذَٰلِكَ } ، فالإشارة إِلى كثرة الحيتانِ شُرَّعاً، أي: فما أتى منها يَوْمَ لا يسبتُونَ، فهو قليلٌ، و { نَبْلُوهُم } ، أي: نمتحنهم بِفِسْقهم وعِصْيانهم، وقد تقدَّم في «البقرة» قصصهم.

وقوله سبحانه: { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيدًا }.

قال جمهور المفسِّرين: إن بني إِسرائيل ٱفترقَتْ ثلاثَ فرقٍ: فرقةٌ عصَتْ، وفرقةٌ نهَتْ، وجاهَرَتْ وتكلَّمَت وٱعْتَزَلَتْ، وفرقةٌ ٱعتزلَتْ، ولم تَعْصِ ولم تَنْهِ، وأن هذه الفرقة لما رأتْ مجاهرة الناهية، وطُغيانَ العاصيةِ وعَتُوَّهَا، قالَتْ للناهية: { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً } ، يريدونّ: العاصيةَ { ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ } ، فقالت الناهية: موعظتنا معذرة إِلى اللَّه، أي: إِقامة عُذْر، ومعنَىٰ { مُهْلِكُهُمْ } ، أيُّ: في الدنيا، { أَوْ مُعَذِّبُهُمْ } ، [أي]: في الآخرةِ، والضمير في قوله: { نَسُواْ } للمَنْهِيين، وهو تَرْكٌ سُمِّيَ نِسياناً مبالغةً، و«ما» في قوله: { مَا ذُكِّرُواْ بِهِ } بمعنى الَّذي، و { السُّوءِ } لفظ عامٌّ في جميع المعاصي إِلاَّ أنَّ الذي يختصُّ هنا بحَسَب قصص الآيةِ هو صَيْدُ الحوتِ، و { ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ }: هم العاصُونَ، وقوله: { بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } معناه: مؤلمٌ موجِعٌ شديدٌ، واختلف في الفرقة التي لم تَعْصِ ولم تَنْهَ، فقيل: نَجَتْ مع الناجين، وقيل: هلَكَتْ مع العاصين.

وقوله: { بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } ، أي: لأجل ذلك، وعقوبةً عليه، والعُتُوُّ ٱلاستعصاء وقلَّة الطواعية.

وقوله سبحانه: { قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ } ، يحتمل أن يكون قولاً بلفظ مِنْ مَلَك أسْمَعَهم؛ فكَانَ أذْهَبَ في الإِعراب والهَوْلِ والإِصغارِ، ويحتمل أن يكون عبَارةً عن القُدْرة المكوِّنة لهم قردةً، و { خَـٰسِئِينَ }: معناه مبعَدِين فـــ«خاسئين» خبر بعد خبرٍ، فهذا ٱختيار أبي الفَتْح، وضعَّف الصفَة، فرُوِيَ أنَّ الشباب منهم مُسِخُوا قردةً، والرجالَ الكبارَ مُسِخَوا خنازير.