الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ } * { وَلَمَّا سُقِطَ فِيۤ أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ }

وقوله سبحانه: { وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ }: الخُوَارُ: صَوْتُ البقر، وقرأَتْ فرقة: «لَهُ جُؤَارٌ» - بالجيم -، أيْ: صِيَاحٌ، ثم بيَّن سبحانه سُوءَ فِطَرهم، وقرَّر فساد ٱعتقادِهِمْ بقوله: { أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ... } الآية: وقوله: { وَكَانُواْ ظَـٰلِمِينَ }: إِخبارٌ عن جميع أحوالهم؛ ماضياً، وحالاً، ومستقبلاً، وقد مَرَّ في «البقرة» قصَّة العِجْلِ؛ فأغنَىٰ عن إِعادته.

قال أبو عُبَيْدة: يقال لمن نَدِمَ على أمْرٍ، وعَجَز عنه: سُقِطَ في يَدِهِ، وقولُ بني إِسرائيل: { لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا } ، إِنما كان بَعْدَ رجوعِ موسَىٰ، وتَغَيُّرِهِ عليهم، ورؤيتِهِمْ أنهم قد خَرَجُوا من الدِّين، ووقعوا في الكُفْر.

وقوله سبحانه: { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَـٰنَ أَسِفاً } ، يريد: رجَعَ من المُنَاجَاة، والأَسَفُ، قد يكون بمعنى الغَضَبِ الشديدِ، وأكثرُ ما يكونُ بمعنى الحُزْن، والمعنيانِ مترتبان هنا.

وعبارةُ * ص *: { غَضْبَـٰنَ }: صفةُ مبالغةٍ، والغَضَبُ غَلَيَانُ القَلْب؛ بسبب ما يؤلم و { أَسِفاً }: مِنْ أَسِفَ، فهو أَسِفٌ، كَفَرِقَ فهو فَرِقٌ، يدل على ثبوت الوصف، ولو ذُهِبَ به مَذْهَبُ الزمان، لقيل: آسِف؛ على وزن فَاعِل، والأَسَفُ: الحزنُ. انتهى.

وقوله تعالى: { أَعَجِلْتُمْ } ، معناه: أسابقتم قضاء رَبِّكُم، وٱستعجلتم إِتْيَانِي قبل الوقت الذي قدر به، قال سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس: كان سببُ إِلقائه الأَلْوَاحَ - غَضَبَهُ عَلَىٰ قومه في عبادتهم العِجْل، وَغَضَبَهُ عَلىٰ أخيه في إِهمال أَمرهم.

قال ابن عباس: لمَّا ألقاها، تكسَّرت، فَرُفِعَ أكثَرُها الذي فيه تفصيلُ كلِّ شيء، وبقي الذي في نُسْخَتِهِ الهُدَىٰ والرحمة، وهو الذي أخذ بعد ذلك، قال ابن عبَّاس: كانت الألواح مِنْ زُمُرُّدِ، وقيل: من ياقوتٍ، وقيل: من زَبَرْجَدٍ، وقيل: من خشبٍ، واللَّه أعلم.

وقوله: { ٱبْنَ أُمَّ } استعطافٌ برحمِ الأمِّ؛ إذ هو ألْصَقُ القراباتِ، وقوله: { كَادُواْ } ، معناه: قاربوا، ولم يَفْعَلُوا، وقوله: { وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } ، يريد: عَبَدَةَ العجْلِ.