الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } * { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } * { قَالُوۤاْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ } * { يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ } * { وَجَآءَ ٱلسَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْوۤاْ إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ } * { قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } * { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ ٱلْمُلْقِينَ } * { قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّآ أَلْقَوْاْ سَحَرُوۤاْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَآءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ }

وقوله عز وجل: { قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَـٰحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } لا محالةَ أنهم خافوا أمْرَ موسَىٰ، وجالَتْ ظنونهم كُلَّ مجالٍ، وقوله: { فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } الظاهرُ أنه من كلام المَلإ بعضِهِمْ لبعض، وقيل: إنه من كلام فرعونَ لهم، وَرَوى كَرْدم عَنْ نافعٍ: { تَأْمُرُون } بكسر النون وكذلك في «الشعراء» [الشعراء:35].

و«ما»: استفهامُ، و«ذَا»: بمعنى الَّذي، فهما ابتداءٌ وخبرٌ، وفي «تأمرون»: ضميرٌ عائدٌ على الذي، تقديرُهُ: تَأْمُرونَ به، ويجوز أنْ تجعل «مَاذَا» بمنزلةِ اسم واحدٍ في موضع نصب بـــ «تأمرون» ولا يضمر فيه؛ على هذا، وقوله: { قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي ٱلْمَدَائِنِ حَـٰشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَـٰحِرٍ عَلِيمٍ } أشار المَلأُ على فرعونَ بأن يؤخِّر موسَىٰ وهارون، وَيَدَعَ النظر في أمرهما، وَيَجْمَعَ السحرةَ، وحكَى النَّقَّاش؛ أنه لم يكن يجالسُ فرعونَ وَلَدُ غِيَّةٍ، وإنما كانوا أشرافاً؛ ولذلك أشاروا بالإِرجاء، ولم يشيروا بالقَتْل، وقالوا: إنْ قتلته، دخلَتْ على الناسِ شُبْهَةٌ، ولكنِ ٱغلبْهُ بِٱلحُجْة.

وقوله سبحانه: { وَجَاءَ ٱلسَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَـٰلِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ }: «الأَجر» هنا: الأجْرَةُ.

واختلف الناسُ في عدد السَّحَرة على أقوالٍ كثيرةٍ ليس لها سَنَدٌ يوقَفُ عنده، والحاصلُ من ذلك أنهم جَمْعٌ عظيمٌ، وقوله تعالى: { قَالُواْ يَٰمُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ ٱلْمُلْقِينَ * قَالَ أَلْقَوْاْ فَلَمَّا أَلْقُوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ } ، وخيَّر السحرةُ موسىٰ في أن يتقدَّم في الإِلقاء أو يتأخَّر، وهذا فعْلُ المُدِلِّ الواثقِ بِنَفْسِهِ، والظاهرُ أنَّ التقدُّم في التخْييلاتِ وَالمَخَارِيقِ أنْجَحُ؛ لأنَّ بديهتها تمضِي بالنفُوس، فليظهر اللَّه أمر نبوَّة موسَى، قَوَّىٰ نفسه ويقينه، وِوَثقَ بالحَقِّ، فأعطاهم التقدُّم، فَنَشَطُوا وَسُرُّوا حتَّى أظهر اللَّه الحَق، وأَبطَلَ سعيهم، وقوله سبحانه: { سَحَرُواْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ }: نصٌّ في أن لهم فِعْلاً ما زائداً على ما يُحْدِثُونه من التزْوِيقِ، { وَٱسْتَرْهَبُوهُمْ } بمعنى: أرهبوهم، أي: فزَّعوهم، ووصف اللَّه سبحانه سِحْرَهُمْ بـــ «العَظِيم»، ومعنى ذلك مِنْ كثرته، ورُوِي أنهم جَلَبُوا ثَلاَثِمَائَةٍ وَسِتِّينَ بعيراً موقُورَةً بالْحِبَالِ، والعِصِيِّ، فلما أَلْقَوْهَا، تحرَّكت، ومَلأَت الوادِيَ، يركَبُ بعضُها بعضاً فٱستهْوَلَ النَّاس ذلك، واسترْهَبَهم، قال الزَّجَّاج: قيل: إنهم جعلوا فيهم الزِّئْبَقَ، فكانَتْ لا تستقرُّ.