الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْكَٰفِرِينَ } * { وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ } * { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِآيَٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَقَالَ مُوسَىٰ يٰفِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { حَقِيقٌ عَلَىٰ أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } * { وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ }

وقوله سبحانه: { تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْكَٰفِرِينَ } «تلك» ابتداءٌ، و«القُرَىٰ» قال قوم: هو نعْتٌ، والخبر «نَقْصُّ»، وعندي: أن «أهل القرَى» هِي خَبَر الابتداءِ، وفي ذلك معنى التعظيمِ لها، ولِمُهْلِكِها؛ وهذا كما قيل في قوله تعالى:ذَٰلِكَ ٱلْكِتَٰبُ } [البقرة:2] وكما قال عليه السلام: " أُولَئِكَ الملأ " وكقول ابن أبي الصلت: [البسيط]
تِلْكَ المَكَارِمُ..........   .......................
وهذا كثير.

ثم ابتدأ سبحانهُ الخبر عن جميعهم بقوله: { وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ } ، هذا الكلامُ يحتملُ وجوهاً من التأويل:

أحدها: أنْ يريد أنَّ الرسول جاء لكلِّ فريقٍ منهم، فكذَّبوه لأول أمره، ثم ٱستبانَتْ حجته، وظهَرتِ الآياتُ الدالَّة علىٰ صدقه، مع استمرار دعوته.، فلَجُّوا هم في كفرهم، ولم يؤمنوا بما سَبَقَ به تكذيبُهم.

والثاني: من الوجوه: أنْ يريد: فما كان آخرهم في الزّمنِ لِيُؤْمِنَ بما كَذَّب به أوَّلهم في الزمَنِ، بل مَشَىٰ بعضهم على سَنَن بعضٍ في الكُفْرِ؛ أشار إِلى هذا التأويلِ النَّقَّاش.

والثالث: أنَّ هؤلاء لَوْ رُدَّوا من الآخرة إلى الدنيا، لم يكُنْ منهم إِيمانٌ؛ قاله مجاهد، وقرنه بقوله:وَلَوْ رُدُّواْ لَعَـادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [الأنعام:28].

والرابع: أنه يحتمل: فما كانوا ليُؤْمنوا بما سَبَق في عِلم اللَّه سبحانه؛ أنهم مُكَذِّبون به؛ وذكَرَ هذا التأويلَ المفسِّرون.

وقوله سبحانَه: { وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ... } الآية: أخبر سبحانه أنه لم يجدْ لأكثرهم ثبوتاً على العَهْد الذي أخذه سبحانه علىٰ ذريِّة آدم وقْتَ ٱستخراجهم من ظهره؛ قاله أبو العالية عن أبيِّ بنْ كَعْب، ويحتمل أن يكون المعنى: وما وجدنا لأكثرهم التزامَ عَهْدٍ، وقبولَ وصاةٍ ممَّا جاءتهم به الرسُلُ عن اللَّه، ولا شَكَروا نعم اللَّه عزَّ وجلَّ.

قال * ص *: { لأَكْثَرِهِم }: يحتمل أن يعود علىٰ «النَّاس» أو على { أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ } أو «الأُمم الماضية». انتهى.

وقوله سبحانه: { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِـآيَـٰتِنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَظَلَمُواْ بِهَا... } الآيات؛ في هذه الآية: عامٌّ في التسْع وغيرِهَا، والضميرُ في «مِنْ بعدهم» عائدٌ على الأنبياءِ المتقدِّم ذكْرُهم، وعلى أممِهِمْ.

وقوله سبحانه: { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ }: فيه وعيدٌ، وتحذيرٌ للكَفَرة المعاصرين لنبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقوله سبحانه: { وَقَالَ مُوسَىٰ يَٰفِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَى أَن لا أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } ، قرأ نافعٌ وحده: «عَلَيَّ» بإِضافة «عَلَىٰ» إِليه، وقرأ الباقون: «عَلَىٰ» بسكون الياء.

قال الفارسيُّ: معنى هذه القراءة أنَّ «عَلَى» وضعتْ موضع الباء؛ كأنه قال: حقيقٌ بأن لا أقولَ على اللَّه إِلاَّ الحَقَّ، وقال قوم: «حقيقٌ» صفةٌ لـــ«رَسُولٌ»، تم عندها الكلامُ، و«عَليَّ»: خبرٌ مقدّمٌ و«أَلاَّ أقول»: ابتداءٌ، وإِعراب «أَنْ»، على قراءة مَنْ سكَّن الياء خفْضٌ، وعلىٰ قراءة من فتحها مشدَّدةً: رَفْعٌ، وفي قراءة عبد اللَّه: «حَقيقٌ أَنْ لا أَقُول»، وهذه المخاطَبَةُ ـــ إِذا تأَمَّلْتَ ـــ غايةٌ في التلطُّف، ونهايةٌ في القول الليِّن الذي أُمِرَ به عليه السلام، وقوله: { قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَٰءِيلَ * قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِـآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } «البينة»؛ هنا إشارةٌ إلى جميع آياته، وهي على المُعْجزة منْها أدلُّ، وهذا من موسى عليه السلام عَرْضُ نبوَّته، ومنْ فرعون استدعاءُ خَرْق العادة الدالِّ على الصدْقِ، وظاهرُ هذه الآية وغيرها أنَّ موسى عليه السلام لم تَنْبَنِ شريعته إِلا علىٰ بني إسرائيل فقَطْ، ولَمْ يَدْعُ فرعونَ وقومه إِلا إِلى إِرسال بني إِسرائيل، وذكره:

السابقالتالي
2