الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { قَدْ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَٱللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَإِذْ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَـٰذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْخَبِيرُ } * { إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } * { عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً }

قوله تعالى: { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ... } الآية، وفي الحديثِ مِنْ طُرُقٍ ما معناه؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم جاءَ إلى بيتِ حَفْصَةَ، فوجَدَها قد مرَّتْ لزيارةِ أبيهَا، فَدَعَا صلى الله عليه وسلم جاريَتَهُ مَارِيَّةَ، فَقَالَ مَعَها، فَجَاءَتْ حَفْصَةُ وَقَالَت: يا نبيَّ اللَّه! أفِي بَيْتِي وَعَلَىٰ فِرَاشِي؟ فَقَالَ لَهَا صلى الله عليه وسلم: مترضِّياً لها: «أيُرْضِيكِ أنْ أُحَرِّمَها؟ قَالَتْ: نَعَمْ؛ فقال: إنِّي قَدْ حَرَّمْتُهَا»، قال ابن عباس: وقالَ مَعَ ذلكَ: واللَّهِ، لاَ أَطَؤُهَا أَبَداً، ثم قال لها: لاَ تُخْبِرِي بِهَذَا أَحَداً، ثم إنَّ حَفْصَةَ قَرَعَتْ الجِدَارَ الَّذِي بَيْنَهَا وَبْيْنَ عَائِشَةَ، وَأَخْبَرَتْهَا لِتُسِرَّهَا بالأَمْرِ، وَلَمْ تَرَ في إفْشَائِهِ إلَيْهَا حَرَجاً، وٱسْتَكْتَمَتْهَا، فَأَوْحَى اللَّهُ بِذَلِكَ إلَىٰ نَبِيِّهِ، ونزلَتِ الآيةُ، وفي حديثٍ آخَرَ عن عائشةَ أنَّ هذا التحْرِيمَ المذكورَ في الآية؛ إنَّما هُو بِسَبَبِ العَسَلِ الذي شَرِبَه صلى الله عليه وسلم عِنْدَ زينبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَتَمالأتْ عائشةُ وحفصةُ وسَوْدَةُ عَلى أنْ تَقُولَ له؛ مَنْ دَنَا مِنْهَا: إنّا نَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أأكَلْتَ مَغَافِيرَ يَا رَسُولَ اللَّه؟ والمَغَافِيرَ: صَمْغُ العُرْفُطِ، وَهُوَ حُلْوٌ كَرِيهُ الرَّائِحَةِ، فَفَعَلْنَ ذَلِكَ، فَقَالَ رسولُ اللَّه: ما أَكَلْتُ مَغَافِيرَ، وَلَكِنِّي شَرِبْتُ عَسَلاً، فقلْنَ له: جَرَسَتْ نَحْلُهُ العُرْفُط؟ فقال: صلى الله عليه وسلم لاَ أشْرَبُه أبَداً، وكانَ يَكْرَهُ أنْ تُوجَدَ مِنْهُ رَائحةٌ كَرِيهةٌ، فدخلَ بعد ذلك على زينبَ فَقَالَتْ: أَلا أسْقِيكَ مِنْ ذَلِكَ العَسَلِ؟ فَقَال: لاَ حَاجَةَ لِي بِهِ، قالتْ عائشةُ: تَقُولُ سَوْدَةُ حِينَ بَلَغَنَا ٱمْتِنَاعُهُ: وَاللَّهِ، لَقَدْ حَرَمْنَاهُ، فَقُلْتُ لَها: ٱسْكُتِي، قال * ع *: والقولُ الأوَّلُ أن الآيةِ نزلتْ بسبب مارية أصَحُّ وأوْضَحُ، وعليه تَفَقَّه الناسُ في الآية، ومَتَى حَرَّمَ الرَّجُلُ مَالاً أو جاريةً فليسَ تحريمُه بشيءٍ، * ت *: والحديثُ الثَّانِي هو الصحيحُ خَرَّجَه البخاريُّ ومسلمُ وغيرهما، ودَعَا اللَّهُ تعالى نبيَّه باسْم النبوَّةِ الذي هو دالٌّ على شَرَفِ مَنْزِلَتِه وَفَضِيلَتِه التي خَصَّهُ بِهَا، وقرَّره تعالى كالمُعَاتِبِ له على تحريمِه عَلى نفسِه مَا أحلَّ اللَّهُ له، ثم غَفَرَ لَه تَعَالَى مَا عَاتَبه فيه ورَحِمَه.

وقوله تعالى: { قَدْ فَرَضَ ٱللَّهُ } أي: بيَّنَ وأثْبَتَ، فقال قوم من أهل العلم: هذه إشارَةٌ إلى تَكْفِيرِ التَّحْرِيمِ، وقال آخرونَ هي: إشارَةٌ إلى تكفيرِ اليمينِ المُقْتَرِنَةِ بالتحريمِ، والتَّحِلَّةُ مَصْدَرُ وزنها «تَفْعِلَة» وأدْغِمَ لاِجْتِمَاعِ المثلينِ، وأحالَ في هذه الآيةِ على الآيةِ التي فسَّر فِيها الإطْعَامَ في كفارةِ اليمينِ باللَّهِ تَعَالى، والمَوْلَى المُوَالِي النَّاصِرُ.

{ وَإِذَ أَسَرَّ ٱلنَّبِىُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوٰجِهِ } يعني حَفْصَةَ { حَدِيثاً } قال الجمهورُ الحديثُ هو قولُهُ في أمر ماريةَ، وقال آخرونَ: بلْ هو قولُه: إنَّمَا شَرِبْتُ عَسَلاً.

وقوله تعالى: { عَرَّفَ بَعْضَهُ } المَعْنَى مَعَ شَدِّ الراءِ: أعْلَمَ بِهِ وأَنَّب عليه وأعْرَض عن بعض، أي: تَكُرُّماً وَحَيَاءً وحُسْنَ عشرةٍ، قال الحسن: ما اسْتَقْصَى كريمٌ قط، والمخاطبة بقوله: { إِن تَتُوبَا إِلَى ٱللَّهِ } هي لحفصةَ وعائشةَ، وفي حديثِ البخاريّ، وغيره عن ابن عباس قال: قلت لعمر: من اللتان تَظَاهَرَتَا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قال: حفصةُ وعائشةُ.

السابقالتالي
2