الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ }

وقوله سبحانه: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَٰوةِ } الآية، النداءُ: هو الأذانُ، وكان على الجِدَارِ في مسجدِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وفي مصنف أبي داودَ: كَانَ بَيْنَ يَدَي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وهو عَلى المنبر أذَانُ، ثم زادَ عثمانُ النداءَ عَلَى الزوراء ليسمعَ الناسُ.

* ت *: وفي البخاريّ والترمذيِّ وصححه عن السائبِ بن يزيد قَالَ: كَانَ النداءُ يومَ الجمعةِ أوَّلُه إذا جَلَسَ الإمام على المنبر؛ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ وعمرَ، فلما تَوَلَّى عثمانُ وكثرَ الناسُ، زَادَ الأذَانَ الثالثَ فأَذَّنَ به على الزَّورَاءِ، فَثَبَتَ الأَمْرُ على ذلك، قِيل: فقوله «الثالثَ» يَقْتَضِي أنَّهمُ كَانُوا ثلاثةً، وفي طريقٍ آخرَ «الثاني» بدَلَ «الثالث» وهو يَقْتَضِي أَنَّهُمَا اثنانِ، انتهى، وخرَّجَ مسلم عن أبي هريرةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " مَنِ ٱغْتَسَلَ، ثمَّ أَتَى الجُمُعَةَ، فَصَلَّىٰ مَا قُدِّرَ لَهُ، ثم أَنْصَتَ لِلإمَامِ حَتَّىٰ يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَىٰ، وَفَضَلُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ " انتهى، وخرَّجَهُ البخاريُّ من طريقِ سُلَيْمَان.

وقوله: { مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ } قال ابن هشام: «من» مرادفةِ «في»، انتهى.

وقوله تعالى: { فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ... } الآية، السعِيُ في الآيةِ لاَ يُرَادُ به الإسْرَاعُ في المشي، وإنما هو بمعنى قوله:وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَـٰنِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } [النجم:39] فالسَّعْيُ هو بالنِّيةِ والإرَادَةِ والعَمَلِ؛ مِنْ وُضُوءٍ، وغُسْلٍ، وَمَشْيٍ، ولُبْسِ ثوبٍ؛ كُلُّ ذلكَ سَعْيٌ، وَقَدْ قَالَ مالكٌ وغيره: إنما تُؤْتَى الصلاةُ بالسَّكِينَةِ، * ت *: وهو نصُّ الحديثِ الصحيحِ، وهُوَ قوله صلى الله عليه وسلم في الصلاة: " فَلاَ تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا [و] عَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ " ، * ت *: والظاهرُ أنَّ المرادَ بالسعيِ هُنا المُضِيُّ إلى الجمعةِ، كما فسَّره الثعلبيُّ، ويدلُّ على ذلكَ إطلاقُ العلماءِ لفظَ الوجوبِ عَلَيْهِ، فيقولونَ السَّعْيُ إلَى الجمعةِ واجبٌ، ويدلُّ عَلَى ذلك قراءةُ عمرَ وعليٍّ وابنِ مسعودٍ وابن عمر وابنِ عباس وابن الزبير وجماعة من التابعين: «فَامْضُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ» وقال ابن مسعود: لَوْ قَرَأْتُ: { فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } لأَسْرَعْتُ حَتَّى يَقَع رِدَائي، وقال العِرَاقِيُّ: { فَٱسْعَوْاْ } معناه بَادِروا، انتهى، وقوله: { إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } هو وعظُ الخطبةِ؛ قاله ابن المسيب، ويؤيدُه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " إذَا كَانَ يومُ الجمعةِ، كَانَ عَلَىٰ كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ المَسْجِدِ مَلاَئِكَةٌ يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فالأَوَّلَ، فَإذَا جَلَسَ [الإمَامُ] طَوُوُا الصُّحُفَ، وجَاؤُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ " الحديثُ خَرَّجَهُ البخاريُّ ومسلم، واللفظُ لمسلمٍ، والخُطْبَةُ عِنْدَ الجمهورِ شَرْطٌ في انعقادِ الجمعةِ، وعن أبي موسى الأشعري أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ:

السابقالتالي
2 3