الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ }

وقوله سبحانه: { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَـٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ... } الآية: هذه حكايةٌ عما يقالُ لهم بعد قَبْض أرواحهم، وٱعلم أيها الأخُ؛ أنَّ هذه الآية الكريمةَ ونَحْوَها من الآيِ، وإن كان مساقها في الكُفَّار، فللمؤمن الموقِنِ فيها مُعْتَبَرٌ ومزدَجَر، وقد قيل: إن القبر بحْرُ النداماتِ، وقد روى ابن المبارك في «رقائقه» بسنده، عن أبي هريرة، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ إلاَّ نَدِمَ، قَالُوا: وَمَا نَدَامَتُهُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إنْ كَانَ مُحْسِناً، نَدِمَ ألاَّ يَكُونَ ٱزْدَادَ، وإنْ كَانَ مُسِيئاً، نَدِمَ أَلاَّ يَكُونَ نَزَعَ " انتهى.

و { كَمَا خَلَقْنَـٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ }: تشبيهاً بالاِنفراد الأول في وقت الخِلْقة، و { خَوَّلْنَـٰكُمْ } ، معناه: أعطيناكم، و { وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ }: إشارة إلى الدنيا؛ لأنهم يتركون ذلك موجوداً.

وقوله سبحانه: { وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ }: توقيفٌ على الخطإ في عبادة الأصنام، وٱعتقادِهِمْ أنها تشفع وتُقَرِّب إلى اللَّه زلفَىٰ، قال أبو حَيَّان: { وَمَا نَرَىٰ }: لفظه لفظُ المستقبلِ، وهو حكاية حال. انتهى.

وقرأ نافع والكسائي: «بَيْنَكُمْ» ـــ بالنصب ـــ؛ على أنه ظرْفٌ، والتقدير: لقد تقطَّع الاِتصال والاِرتباطُ بينكم، ونحْوُ هذا، وهذا وجهٌ واضحٌ؛ وعليه فسَّره الناس؛ مجاهد وغيره، وقرأ باقي السَّبْعة: «بَيْنُكُمْ» ـــ بالرفع ـــ، وقرأ ابن مسعودٍ وغيره: «لَقَد تَقَطَّعَ مَا بَيْنَكُمْ»، و { ضَلَّ } ، معناه: تَلِفَ وذَهَب، و { مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } ، يريد: دعواهم أنها تشفَعُ، وأنها تشاركُ اللَّه في الألوهيَّة، تعالى اللَّه عن قولهم.