الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَٰجُّوۤنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ } * { وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَٰناً فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ }

وقوله تعالَىٰ: { وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونّي فِي ٱللَّهِ } ، أي: أتراجعوني في الحجَّة في توحيد اللَّه، { وَقَدْ هَدَٰنِ } ، أي: قد أرشدني إلى معرفتِهِ وتوحيده، { وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ } ، الضميرُ في { بِهِ } يعودُ على { ٱللَّهِ } والمعنى: ولا أخافُ الأصنامُ التي تشركونَهَا باللَّه في الربوبيَّة، ويحتمل أنْ يعود علَىٰ «ما»، والتقديرُ: ما تشركون بسَبَبِهِ، وقوله: { إِلاَّ أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً }: استثناءٌ ليس من الأوَّل، و { شَيْئاً }: منصوبٌ بـ { يَشَاء } ، ولما كانتْ قوة الكلامِ أنه لا يخَافُ ضرراً، استثنى مشيئةَ ربِّه تعالَىٰ في أنْ يريده بضُرٍّ، و { عِلْماً }: نصبٌ على التمييز، وهو مصدرٌ بمعنى الفاعل؛ كما تقول العرب: تَصَبَّبَ زَيْدٌ عَرَقاً، المعنى: تصبَّبَ عَرَقُ زَيْدٍ؛ فكذلك المعنى هنا وِسَعِ علْمُ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ، { أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ }: توقيفٌ وتنبيه وإظهار لموضعِ التقصيرِ منهم، وقوله: { وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ... } الآيةَ إلى { تَعْلَمُونَ } ، هي كلُّها من قول إبراهيم ـــ عليه السلام ـــ لقومه، وهي حجته القاطعة لهم، والمعنَىٰ: وكيف أخاف أصناماً لا خَطْب لها، إذ نبذتُها، ولا تخافُونَ أنتم اللَّهَ عزَّ وجلَّ، وقد أشركتم به في الربوبيَّة { مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَـٰناً } والسلطانُ: الحُجَّة، ثم ٱستفهم؛ علَىٰ جهة التقرير: { فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ } ، مني ومنكم { أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ } ، قال أبو حَيَّان: { وَكَيْفَ }: ٱستفهام، معناه التعجُّب والإنكار. انتهى.

وقوله سبحانه: { ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ... } الآية، قال ابنُ إسحاق، وابنُ زيدٍ، وغيرهما: هذا قولٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وجلَّ ابتداء حُكْمٍ فَصْلٍ عامٍّ لِوَقْتِ مُحاجَّة إبراهيم وغيره، ولكلِّ مؤمن تقدَّم أو تأَخَّر.

قال * ع *: هذا هو البيِّن الفصيحُ الذي يرتبطُ به معنى الآية، ويحسُنُ رصْفها، وهو خبرٌ من اللَّه عزَّ وجلَّ، و { يَلْبِسُواْ }: معناه: يَخْلِطُوا، والظُّلْم؛ في هذا الموضع: الشِّرْك؛ تظاهرت بذلك الأحاديثُ الصحيحةُ، وفي قراءة مجاهدٍ: «وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِشِرْكٍ» { وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } ، أي: راشدون.