الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } * { وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ ٱلْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } * { لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }

وقوله تعالَىٰ: { قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ... } الآية: هذا إخبارٌ يتضمَّن الوعيدَ، والأظهرُ مِنْ نَسَقِ الآياتِ: أنَّ هذا الخطابَ للكفَّار الذين تَقَدَّم ذكرهم، وهو مَذْهَبُ الطبريِّ.

وقال أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ، وجماعة: هو للمؤمِنِينَ، وهم المرادُ.

وهذا الاختلافُ إنما هو بحَسَبِ ما يَظْهَرُ منْ أنَّ الآية تتناوَلُ معانِيهَا المشركِينَ والمؤمنينَ؛ وفي «البخاريِّ» وغيره مِنْ حَدِيثِ جابرٍ وغيره: " أنَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لما نزلَتِ الآيةُ: { قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ } ، قَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ، فلما نزلَتْ: { أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } ، قَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ، فلما نزلَتْ: { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } قال: هذه أهونُ أو أيَسر " ؛ فٱحتجَّ بهذا الحديثِ مَنْ قال: إنَّها نَزَلَتْ فِي المؤمنينَ، قال الطَّبريُّ وغيره: مُمْتَنِعٌ أنْ يكون النبيُّ صلى الله عليه وسلم تعوَّذ لأمَّته مِنْ هذه الأشياءِ الَّتي توعَّد بها الكُفَّار، وهَوَّنَ الثالثةَ؛ لأنَّها بالمعنَىٰ هي التي دعا فيها، فمنع حسب حديثِ «المُوطَّإ» وغيره، و { مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ }: لفظٌ عامٌّ للمنطبقِينَ علَىَ الإنسان، وقال السُّدِّيُّ، عن أبي مالِكٍ: { مِّن فَوْقِكُمْ }: الرَّجْم، { أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ }: الخَسْف؛ وقاله سعيدُ بن جُبَيْر ومجاهد.

وقوله سبحانه: { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً }: معناه: يخلِّطكم فِرَقاً، والبأْسُ: القَتْل، وما أشبهه من المَكَارِهِ، وفي قوله تعالى: { ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلأَيَـٰتِ }: استرجاعٌ لهم، وإنْ كان لفظها لَفْظَ تعجيب للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فمضمَّنها أنَّ هذه الآياتِ والدلائلَ؛ إنما هي لاستصرافهم عن طريقِ غَيِّهم، والفِقْهُ: الفَهْمُ.

وقوله تعالى: { وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ ٱلْحَقُّ } ، الضمير في { بِهِ } عائدٌ على القُرآن الذي فيه جاءَ تصريفُ الآياتِ؛ قاله السُّدِّيُّ، وهذا هو الظاهرُ، ويحتملُ أنْ يعود الضميرُ على الوَعِيدِ الذي تضمَّنَتْه الآيةُ، ونحا إليه الطبريُّ، وقوله: { قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ }: معناه: لسْتُ بمدفوعٍ إلى أخْذكم بالإيمان والهُدَىٰ، وهذا كان قَبْلَ نزول آياتِ الجهادِ والأمْرِ بالقتالِ، ثم نُسِخَ.

وقوله سبحانه: { لّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ }: أيْ: غايةٌ يعرف عنْدَها صِدْقُه من كَذبِه، و { سَوْفَ تَعْلَمُونَ }: تهديدٌ محْضٌ ووعيدٌ.