الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلاۤ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } * { وَأَنذِرْ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّٰكِرِينَ }

وقوله تعالَىٰ: { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ ٱللَّهِ وَلا أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ... } الآية: هذا مِنَ الرَّدِّ على القائلين:لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ } [الأنعام:37] والطَّالِبِينَ أنْ ينزَّل ملَكٌ، أو تكونَ له جَنَّةٌ أو كَنْزٌ، ونَحْوُ هَذَا، والمعنَىٰ: إنما أنا بشر، وإنما أَتَّبِعُ ما يُوحَىٰ إليَّ، وهو القرآنُ وسَائِرُ ما يأتيه مِنَ اللَّه سبحانه، أي: وفي ذلك عِبَرٌ وآياتٌ لمن تأمَّل.

وقوله سبحانه: { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } ، أي: هل يستوي المؤمِنُ المُفَكِّرُ في الآياتِ، معِ الكافِرِ المُعْرِضِ عَنِ النَّظَر؛ أفلا تتفكَّرون، وجاء الأمر بالفِكْرة في عبارة العَرْض والتَّحْضيض.

وقوله تعالى: { وَأَنذِرْ بِهِ } ، أي: وأنذر بالقرآن الذين هُمْ مَظِنَّةُ الإيمان، وأهْلٌ للاِنتفاعِ، والضميرُ في { بِهِ } عائدٌ على ما يُوحَىٰ.

وقوله سبحانه: { لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ }: إخبارٌ من اللَّه سبحانه عَنْ صفة الحالِ يَوْمَ الحَشْرِ، قال الفَخْر: قوله: { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }: قال ابن عَبَّاس: معناه: وأنذرهم لكَيْ يخافوا في الدنيا، وينتهوا عن الكُفْر والمعاصِي. انتهى.

وقوله سبحانه: { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ }: المرادُ بـ { ٱلَّذِينَ } ضَعَفَةَ المُؤْمنين في ذلك الوَقْت في أمور الدُّنْيا؛ كَبَلاَلٍ، وصُهَيْبٍ، وعَمَّارٍ، وَخَبَّابٍ، وصُبَيْحٍ، وذي الشِّمَالَيْنِ والمِقْدَادِ، ونحوِهِمْ، وسببُ الآية أنَّ بعض أشراف الكُفَّار قالوا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: نَحْنُ لِشَرَفِنَا وأقْدَارِنَا لاَ يُمْكِنُنَا أنْ نختلطَ بهؤلاءِ، فلو طَرَدْتَّهم، لأتَّبَعْنَاكَ، وَرَدَ في ذلك حديثٌ عن ابْنِ مسعود، وظاهر الأمر أنهم أرادوا بذلك الخَدِيعَةَ، فنزلَتِ الآية، و { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ }: قال الحَسَنُ بنُ أبي الحَسَن: المراد به صلاةُ مكَّة الَّتي كانَتْ مرَّتين في اليومِ بُكْرةً وعَشِيًّا، وقيل: قوله: { بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ }: عبارةٌ عن ٱستمرار الفعْلِ، وأنَّ الزمان معمورٌ به، والمرادُ علَىٰ هذا التأويل، قيل: الصلواتُ الخَمْس؛ قاله ابنُ عَبَّاس وغيره، وقيل: الدُّعاء، وذِكْرُ اللَّه، واللفظةُ علَىٰ وجهها، وقيل: القُرآنُ وتعلُّمه؛ قاله أبو جعفر، وقيل: العبادةُ؛ قاله الضَّحَّاك.

وقوله تعالى: { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } قلتُ: قال الغَزَّالِيُّ في «الجَوَاهر»: النيةُ والعَمَلُ؛ بهما تمامُ العبادةِ، فالنِّيَّة أحد جُزْأيِ العبَادةِ، لكنها خير الجزأَيْن، ومعنى النيَّة إرادةُ وَجْه اللَّه سبحانه بالعَمَلِ، قال اللَّه تعالى: { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } ، ومعنى إخلاصها تصفيةُ الباعِثِ عن الشوائِبِ، ثم قال الغَزَّالِيُّ: وإذا عرفْتَ فَضْل النية، وأنَّها تحلُّ حَدَقَةَ المقْصود، فٱجتهدْ أنْ تستكثر مِنَ النِّيَّة في جميع أعمالِكَ؛ حتى تنوي بعملٍ واحدٍ نيَّاتٍ كثيرةً، فٱجتهد ولو صَدَقَتْ رغبتُكَ، لَهُدِيتَ لطريقِ رشدك. انتهى.

وقوله سبحانه: { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَيْءٍ } ، قال الحَسَنُ والجمهورُ: أيْ: مِنْ حسابِ عملهم، والمعنَىٰ: أنك لم تُكَلَّفْ شيئاً غيْرَ دعائهم، وقوله: { فَتَطْرُدَهُمْ }: هو جوابُ النفْيِ في قوله: { مَا عَلَيْكَ } ، وقوله: { فَتَكُونُ }: جوابُ النهْيِ في قوله: { وَلاَ تَطْرُدِ }.

و { فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } ، أي: ٱبتلينا، و { لِّيَقُولواْ }: معناه: ليصيرَ بحُكْم القَدَرِ أمرُهُمْ إلى أن يقولُوا؛ علَىٰ جهة الاِستخْفَافِ والهُزْء: { أَهَـؤُلاء مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا } ، فاللامُ في { لِّيَقُولواْ }: لامُ الصَّيْرورة.

وقوله سبحانه: { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّـٰكِرِينَ } ، أيْ: يأيُّها المستخفُّون، ليس الأمر أمر ٱستخفاف، فاللَّه أعلَمُ بمَنْ يشكر نعمه.