وقوله سبحانه: { هَلْ يَنظُرُونَ } ، أي: ينتظرُونَ، يعني: العربَ المتقدِّمَ الآن ذكرهُم، و { ٱلْمَلَـٰئِكَةَ } هنا: هم ملائكة المَوْت الذين يصحبون عزرائيل المخْصُوصَ بقَبْض الأرواح، قاله مجاهد وقتادة وابنُ جْرَيْج. وقوله تعالى: { أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ } ، قال الطبريُّ: لموقف الحساب يَوْمَ القيامة، وأسند ذلك إلى قتادة وجماعةٍ من المتأوِّلين، وقال الزَّجَّاج: إن المراد: «أو يأتي عذاب ربك». قال * ع *: وعلى كلِّ تأويل فإنما هو بحذفِ مضافٍ، تقديره: أمر ربك، أو بَطْش رَبِّك، أو حسابُ ربك، وإلا فالإتيانُ المفهومُ من اللغة مستحيلٌ على اللَّه تعالَىٰ؛ ألا تَرَىٰ أن اللَّه عزَّ وجلَّ يقول:{ فَأَتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ } [الحشر:2]؛ فهذا إتيان قد وقع، وهو على المجازِ، وحذفِ المضافِ. قال الفَخْر: والجواب المعتمَدُ عليه هنا أنَّ هذا حكايةُ مذهب الكفَّار، واعتقادِهِم، فلا يفتقر إلى تأويله، وأجمعوا على أن المراد بهذه الآيات علاماتُ القيامةِ. انتهى. قلتُ: وما ذكره الفَخْر من أن هذا حكايةُ مذهب الكفار هي دَعْوَىٰ تفتقر إلى دليلٍ. وقوله سبحانه: { أَو يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَـٰتِ رَبِّكَ } ، قال مجاهد وغيره هي إشارة إلى طلوعِ الشمْسِ من مغربها؛ بدليلِ الَّتي بعدها. قال * ع *: ويصحُّ أن يريد سبحانه بقوله: { أَو يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَـٰتِ رَبِّكَ } جميعَ ما يُقْطَعُ بوقوعه من أشراط الساعة، ثم خصَّص سبحانه بعد ذلك بقوله: { يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءايَـٰتِ رَبِّكَ } الآيةَ التي ترتفع التوبةُ معها، وقد بيَّنت الأحاديثُ الصِّحاح في البخاريِّ ومسلمٍ؛ أنها طلوع الشمس مِنْ مغربها، ومقْصِدُ الآية تهديدُ الكفَّار بأحوالٍ لا يخلُونَ منها، وقوله: { أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَـٰنِهَا خَيْراً }؛ يريد: جميعَ أعمال البرِّ، وهذا الفَصْل هو للعُصَاة من المؤمنين؛ كما أن قوله: { لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ } هو للكافرين، فالآية المشارُ إليها تقْطَعُ توبة الصِّنْفَيْنِ، قال الداووديُّ: قوله تعالى: { أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَـٰنِهَا خَيْراً } ، يريد أن النفس المؤمنة التي ٱرتكَبَتِ الكبائر لا تُقْبَلُ منها التوبة يومئذ، وتكونُ في مشيئة اللَّه تعالَىٰ؛ كأن لم تَتُبْ، وعن عائشة (رضي اللَّه عنها): إذا خرجَتْ أول الآيات، طُرِحَتِ الأقلامُ، وحُبِسَتِ الحَفَظَةُ، وشَهِدَتِ الأجساد على الأعمال. انتهى. وقوله سبحانه: { قُلِ ٱنتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ }: لفظٌ يتضمَّن الوعيد.