الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ ثَمَٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ } * { وَمِنَ ٱلإِبْلِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنْثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ } * { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

وقوله سبحانه: { ثَمَـٰنِيَةَ أَزْوٰجٍ } ، وٱختلف في نَصْبِها فقيل: على البدل من «مَا» في قوله: { كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ } ، وقيل: على الحال، وقيل: على البدل من قوله: { حَمُولَةً وَفَرْشاً } ، وهذا أصوب الأقوال، وأجراها على معنى الآيةِ، والزَّوْج: الذكر، والزَّوْج الأنثَىٰ، فكل واحدٍ منهما زَوْجُ صاحبِهِ، وهي أربعة أنواعٍ؛ فتجيء ثمانية أزواجٍ، والضَّأْن: جمع ضَائِنَة وضَائِن.

وقوله سبحانه: { قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ } ، هذا تقسيمٌ على الكفَّار؛ حتَّىٰ يتبيَّن كذبهم على اللَّه، أي: لا بد أن يكون حَرَّم الذكَرَيْن؛ فيلزمكم تحريمُ جميعِ الذُّكور، أو الأنثيين؛ فيلزمكم تحريمُ جميع الإناث، { أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنثَيَيْنِ } ، فيلزمكم تحريمُ الجميعِ، وأنتم لم تلتزموا شيئاً يوجبه هذا التقسيمُ، وفي هذه السؤالاتِ تقريعٌ وتوبيخٌ، ثم أتْبَعَ تقريعَهُم بقوله: { نَبِّئُونِي } ، أي: أخبروني { بِعِلْمٍ } ، أي: من جهة نبوَّة أو كتابٍ من كتب اللَّهِ { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } ، و { إن } شرطٌ، وجوابه في { نَبِّئُونِي }.

وقوله سبحانه: { وَمِنَ ٱلإِبِلِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ... } الآية: القولُ في هذه الآية في المعنَىٰ وترتيبِ التقسيمِ؛ كما تقدَّم، فكأنه قال: أنتم الذين تدَّعون أن اللَّه حرم خصائصَ مِنْ هذه الأنعام لا يَخْلُو تحريمه مِنْ أن يكون في الذَّكَرَيْن أو في الأُنْثَيَيْن، أو فيما ٱشتملَتْ عليه أرحامُ الأنثيين، لكنه لم يُحَرِّم لا هذا ولا هذا ولا هذا؛ فلم يَبْقَ إلا أنه لم يَقَعْ تحريمٌ، قال الفَخْر: والصحيحُ عندي أن هذه الآية لم ترد علَىٰ سبيل الاستدلالِ علَىٰ بطلان قولهم، بل هي ٱستفهامٌ على سبيل الإنكار، وحاصلُ الكلام: أنكم لا تعترفُون بنبوَّة أحد من الأنبياء، فكيف تثبتون هذه الأحكام المختلفة. انتهى.

وقوله سبحانه: { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ وَصَّـٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا }: استفهامٌ؛ علَىٰ سبيل التوبيخِ، و { شُهَدَاء }: جمعُ شهيدٍ، وباقي الآية بيِّن.

وقوله تعالى: { قُل لآ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَن يَكُونَ مَيْتَةً... } الآية: هذه الآيةُ نزلَتْ بمكَّة، ولم يكن في الشريعة في ذلك الوقْتِ شيء محرَّم غير هذه الأشياء، ثم نزلَت، سورة المائدة بالمدينة، وزيدَ في المحرَّمات؛ كالخمر، وكأكل كل ذي نابٍ من السباعِ ممَّا وردَتْ به السُّنَّة.

قال * ع *: ولفظة التحريمِ، إذا وردَتْ على لسان رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فإنَّها صالحةٌ أن تنتهي بالشيء المذكور غَايَةَ المنْعِ والحظرِ، وصالحةٌ بحسب اللغة أنْ تقف دون الغاية في حَيِّز الكراهية ونحوها، فما ٱقترنَتْ به قرينةُ التسليمِ من الصحابة المتأوِّلينِ، وأجمع عليه الكلُّ منهم، ولم تَضْطَرِبْ فيه ألفاظ الأحاديث، وأمضاه الناسُ ـــ وجب بالشَّرْعِ أنْ يكون تحريمه قَدْ وصَل الغايةَ من الحَظْر والمَنْع، ولحق بالخنزير والميتة، وهذه صفة تحريم الخمر، وما ٱقترنت به قرينةُ ٱضطراب ألفاظ الحديثِ، واختلف الأمة فيه، مع علمهم بالأحاديث؛ كقوله ـــ عليه السلام ـــ:

السابقالتالي
2