الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

وقوله تعالى: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِى ٱلْمَجَـٰلِسِ... } الآية، وقرأ عاصم: «في المَجَالِسِ» قال زيد بن أسلم وقتادة: هذه الآية نزلت بسبب تضايُقِ الناس في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك أَنَّهُمْ كانوا يتنافسون في القُرْبِ منه وسَمَاعِ كلامه والنظر إليه، فيأتي الرجلُ الذي له الحَقُّ والسِّنُّ والقَدَمُ في الإسلام، فلا يجد مكاناً، فنزلت بسبب ذلك، وروى أبو هريرة أَن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " لاَ يَقُمْ أَحَدٌ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسَ فِيهِ الرَّجُلُ، وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ " ، قال جمهور العلماء: سببُ نزولِ الآية مجلس النبي صلى الله عليه وسلم ثم الحكم مُطَّرِدٌ في سائر المجالس التي هي للطاعات؛ ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: " أَحَبُّكُمْ إلَى اللَّهِ أَلْيَنُكُمْ مَنَاكِبَ في الصَّلاَةِ، وَرُكَباً في المَجَالِسِ " ، وهذا قول مالك رحمه اللَّه، وقال: ما أرى الحكم إلاَّ يَطَّرِدُ في مجالس العلم ونحوها غَابِرَ الدهر؛ قال * ع *: فالسنة المندوبُ إليها هي التفسُّحُ، والقيامُ مَنْهِيٌّ عنه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، حيثُ نَهَىٰ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ؛ فَيَجْلِسَ الآخَرُ مَكَانَهُ.

* ت *: وقد روى أبو دَاوُدَ في «سننه» عن سَعِيدِ بْنِ أبي الحَسَنِ قال: «جَاءَنَا أَبُو بَكْرَةَ في شَهَادَةٍ، فَقَامَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ مَجْلِسِهِ فَأَبَى أَنْ يَجْلِسَ فِيهِ، وَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ذَلِكَ، وَنَهَى أَنْ يَمْسَحَ الرَّجُلُ يَدَهُ بِثَوْبِ مَنْ لَمْ يَكْسُهُ» وروى أبو داودَ عن ابن عمر قال: جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ مَجْلِسِهِ، فَذَهَبَ لِيَجْلِسَ فِيهِ، فَنَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» انتهى، قال * ع *: فَأَمَّا القيام إجلالاً فجائز بالحديث، وهو قوله ـــ عليه السلام ـــ حين أقبل سعد بن معاذ: " قُومُوا إلَى سَيِّدِكُمْ " وواجب على المُعَظَّمِ أَلاَّ يُحِبَّ ذَلِكَ وَيَأْخُذَ النَّاسَ بِهِ؛ لقوله ـــ عليه السلام ـــ: " مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ النَّاسُ قِيَاماً، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ". *

ت *: وفي الاحتجاج بقضية سعد نظر؛ لأَنَّها احْتَفَّتْ بِها قرائن سَوَّغَتْ ذلك؛ انظر السير، وقد أطنب صاحب المدخل في الإنحاء والرَّدِّ على المجيزين للقيام، والسلامةُ عندي تركُ القيام.

وقوله تعالى: { يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ } معناه: في رحمته وَجَنَّتِهِ.

* ص *: { يَفْسَحِ } مجزوم في جواب الأمر، انتهى، { وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ } معناه: ارتفعوا، وقوموا فافعلوا ذلك؛ ومن «رياض الصالحين» للنوويِّ: وعن عمرو بن شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جَدِّهِ، أَنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: " لاَ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إلاَّ بِإذْنِهِمَا "

السابقالتالي
2