الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } * { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ } * { فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ } * { وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ } * { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ }

وقوله تعالى: { فَسَلَـٰمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلْيَمِينِ }: عبارة تقتضي جملةَ مدحٍ وصفةَ تخلُّصٍ، وحصولَ عالٍ من المراتب، والمعنى: ليس في أمرهم إلاَّ السلامُ والنجاةُ من العذاب؛ وهذا كما تقول في مدح رجل: أَمَّا فلان فناهيك به، فهذا يقتضي جملةً غيرَ مفصلة من مدحه، وقدِ اضطربت عباراتُ المُتَأَوِّلِينَ في قوله تعالى: { فَسَلَـٰمٌ لَّكَ } فقال قوم: المعنى: فيقال له سلام لك إنَّكَ من أصحاب اليمين، وقال الطبريُّ: { فَسَلَـٰمٌ لَّكَ }: أنت من أصحاب اليمين، وقيل: المعنى: فسلام لك يا محمد، أي: لا ترى فيهم إلاَّ السلامة من العذاب.

* ت *: ومن حصلت له السلامةُ من العذاب فقد فاز دليلهفَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ } [آل عمران:185] قال * ع *: فهذه الكاف في { لَّكَ } إمَّا أنْ تكونَ للنبي صلى الله عليه وسلم وهو الأظهر، ثم لكل مُعْتَبِرٍ فيها من أُمَّتِهِ، وإمَّا أَنْ تكونَ لمن يخاطب من أصحاب اليمين، وغيرُ هذا ـــ مِمَّا قيل ـــ تَكَلُّفٌ، ونقل الثعلبيُّ عن الزَّجَّاج: { فَسَلَـٰمٌ لَّكَ } أي: إنَّك ترى فيهم ما تحب من السلامة، وقد علمتَ ما أَعَدَّ اللَّه لهم من الجزاء بقوله: { فِى سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } الآيات...

والمكذبون الضالُّون: هم الكفار، أصحابُ الشمال والمشأَمة، والنُّزُلُ: أول شيء يقدم للضيف، والتصلية: أنْ يباشر بهم النار، والجحيم معظم النار وحيث تراكمها.

{ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ } المعنى: إنَّ هذا الخبرَ هو نفس اليقين وحقيقتُه.

وقوله تعالى: { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } عبارة تقتضي الأمر بالإِعراض عن أقوال الكفار وسائر أمور الدنيا المختصة بها، وبالإقبال على أمور الآخرة وعبادة اللَّه تعالى، والدعاء إليه.

* ت *: وعن جابر بن عبد اللَّه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ [الْعَظِيمِ] وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ في الْجَنَّةِ " رواه الترمذي، والنسائيُّ، والحاكم، وابن حبان في «صحيحيهما»، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وعند النسائِيِّ: «شَجَرَةَ» بدل «نَخْلَةَ»، وعنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: " إنَّ مِمَّا تَذْكُرُونَ مِنْ جَلاَلِ اللَّهِ التَسْبِيحَ، وَالتَّهْلِيلَ، وَالتَّحْمِيدَ يَنْعَطِفْنَ حَوْلَ الْعَرْشِ، لَهُنَّ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، تُذَكِّرُ بِصَاحِبِهَا، أَمَا يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ أَوْ لاَ يَزَالَ لَهُ مَنْ يُذَكِّرُ بِهِ " ، ورواه أيضاً ابن المبارك في «رقائقه» عن كعب، وفيه أيضاً عن كعب أَنَّهُ قال: «إنَّ لِلْكَلاَمِ الطَّيِّبِ حَوْلَ الْعَرْشِ دَوِيًّا كَدَوِيِّ النَّحْلِ يُذَكِّرْنَ بِصَاحِبِهِنَّ» انتهى، وعن أبي هريرةَ " أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِهِ وَهُوَ يَغْرِسُ غَرْساً فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا الَّذِي تَغْرِسُ؟ قُلْتُ: غِرَاساً، قَالَ: أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى غِرَاسٍ خَيْرٍ مِنْ هٰذَا؟ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إلٰهَ إلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ؛ يُغْرَسْ لَكَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ شَجَرَةٌ في الجَنَّةِ "

السابقالتالي
2