الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ ٱلثَّقَلاَنِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ فَٱنفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }

وقوله سبحانه: { يَسْأَلُهُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } أي: مِنْ مَلَكٍ، وإنس، وجنٍّ، وغيرهم، لا غِنَىٰ لأحد منهم عنه سبحانه، كُلُّهم يَسْأَله حاجَتَهُ، إمَّا بلسانِ مقاله، وإمَّا بلسانِ حاله.

وقوله سبحانه: { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ } أي: يُظْهِرُ شأناً من قدرته التي قد سبقت في الأَزَلِ في ميقاته من الزمان، من إحياءٍ وإماتةٍ، ورِفْعَةٍ وخَفْضٍ، وغيرِ ذلك من الأمور التي لا يعلم نهايتها إلاَّ هو سبحانه، و«الشأن»: هو اسم جنس للأمور، قال الحسين بن الفضل: معنى الآية: سَوْقُ المقادير إلى المواقيت؛ وفي الحديث: " أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَرَأَ هٰذِهِ الآيَةَ، فَقِيلَ لَهُ: مَا هٰذَا الشَّأْنُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: يَغْفِرُ ذَنْبَاً، وُيُفَرِّجُ كَرْباً، وَيَرْفَعُ قَوْماً، وَيَضَعُ آخَرِينَ " وذكر النَّقَّاش أَنَّ سبب هذه الآيةِ قولُ اليهود: ٱسْتَرَاحَ اللَّهُ يَوْمَ السَّبْتِ، فَلاَ يُنَفِّذُ فِيهِ شَيْئاً.

وقوله تعالى: { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلثَّقَلاَنِ }: عبارة عن إتيان الوقت الذي قَدَّرَ فيه، وقَضَىٰ أَنْ ينظرَ في أُمور عباده، وذلك يوم القيامة، وليس المعنى: أَنَّ ثَمَّ شغلاً يتفرَّغ منه؛ إذْ لا يشغله سبحانه شأنٌ عن شأن، وإنَّما هي إشارةُ وعيدٍ وتهديدٍ، قال البخاريُّ: وهو معروفٌ في كلام العرب؛ يقال: لأَفْرُغَنَّ لَكَ، وما به شُغُلٌ، انتهى، و { ٱلثَّقَلاَنِ }: الإِنس والجن؛ يقال: لكل ما يَعْظُمُ أمرُه: ثَقَلٌ، وقال جعفرُ بْنُ محمَّدٍ الصَّادِقُ: سُمِّيَ الإنْسُ والجِنُّ ثَقَلَيْنِ؛ لأَنَّهما ثَقُلاَ بالذنوبِ، قال * ع *: وهذا بارعٌ ينظر إلَىٰ خلقهما من طين ونار، واختلف الناسُ في معنى قوله تعالى: { إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ... } الآية: فقال الطبريُّ: قال قوم: المعنى: يُقَالُ لهم يومَ القيامة: { يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ... } الآية، قال الضَّحَّاك: وذلك أَنَّهُ يَفِرُّ الناسُ في أقطار الأرض، والجِنُّ كذلك؛ لما يَرَوْنَ من هول يوم القيامة، فيجدون سَبْعَةَ صفوف من الملائكة، قد أحاطَتْ بالأرض، فيرجعون من حيثُ جاؤوا، فحينئذٍ يقال لهم: { يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ } ، وقال بعض المفسِّرين: هي مخاطبةٌ في الدنيا، والمعنى: إنِ ٱستطعتم الفِرَارَ مِنَ المَوْتِ بأنْ تَنْفُذُوا من أقطار السمٰوات والأرض، فٱنفذوا.

* ت *: والصوابُ الأول.

وقوله: { فَٱنفُذُواْ }: صيغة أمر، ومعناه: التعجيز، و«الشُّوَاظُ»: لَهَبُ النار؛ قاله ابن عباس وغيره، قال أبو حَيَّان: الشُّوَاظُ: هو اللهب الخالصُ بغَيْرِ دُخَانٍ، انتهى، و«النُّحَاسُ»: هو المعروف؛ قاله ابن عباس وغيره، أي: يُذَابُ ويُرْسَلُ عليهما، ونحوه في البخاريِّ، قال * ص *: وقال الخليل: «النُّحَاسُ» هنا هو: الدُّخَانُ الذي لا لَهَبَ له، ونقله أيضاً أبو البقاء وغيره، انتهى.