الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلطُّورِ } * { وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ } * { فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ } * { وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ } * { وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ } * { وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } * { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ } * { مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ } * { يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً } * { وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً } * { فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ } * { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } * { هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ } * { أَفَسِحْرٌ هَـٰذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ } * { ٱصْلَوْهَا فَٱصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

قوله عز وجل: { وَٱلطُّورِ * وَكِتَـٰبٍ مُّسْطُورٍ... } الآية، هذه مخلوقات أقسم اللَّه ـــ عز وجل ـــ بها؛ تنبيهاً على النظر والاعتبارِ بها، المؤَدِّي إلى توحيد اللَّه والمعرفة بواجب حَقِّه سبحانه؛ قال بعض اللغويين: كُلُّ جبلٍ طُورٌ، فكأَنَّه سبحانه أقسم بالجبال، وقال آخرون: الطور: كُلُّ جبل أجردَ لا ينبت شجراً، وقال نوف البكاليُّ: المراد هنا جبل طُورِ سَيْنَاءَ، وهو الذي أقسم اللَّه به؛ لفضله على الجبال، والكتاب المسطور: معناه بإجماع: المكتوبُ أسطاراً، واخْتَلَفَ الناس في هذا الكتاب المُقْسَمِ به، فقال بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: هو الكتاب المُنْتَسَخُ من اللوح المحفوظ للملائكة؛ لتعرفَ منه جميعَ ما تفعله وتصرفه في العالم، وقيل: هو القرآن؛ إذ قد علم تعالى أَنَّه يتخلد في رَقٍّ منشور، وقيل: هو الكُتُبُ المُنَزَّلَةُ، وقيل: هو الكتاب الذي فيه أعمال الخلق، وهو الذي لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً، والرَّقُّ: الورق المُعَدَّةُ للكتب، وهي مُرَقَّقَةٌ؛ فلذلك سُمِّيَتْ رَقًّا، وقد غلب الاستعمال على هذا الذي هو من جلود الحيوان، والمنشور خلاف المَطْوِيِّ، { وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ }: هو الذي ذُكِرَ في حديث الإسراء؛ قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: هَذَا الْبَيْتُ المَعْمُورُ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لاَ يَعُودُونَ إلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ، وبهذا هي عمارته، وهو في السماء السابعة، وقيل: في السادسة، وقيل: إنَّه مقابلٌ للكعبة، لو وَقَعَ حجر منه، لَوَقَعَ علَىٰ ظهر الكعبة، وقال مجاهد، وقتادة، وابن زيد: في كل سماء بيت معمور، وفي كل أرض كذلك، وهي كُلُّها على خط من الكعبة، وقاله علي بن أبي طالب، قال السُّهَيْلِيُّ: والبيت المعمور اسمه «عريباً»، قال وهب بن مُنَبِّهٍ: مَنْ قال: سبحانَ اللَّهِ وبحمده، كان له نور يملأ ما بين عريباً وحريباً، وهي الأرض السابعة، انتهى.

{ وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ }: هو السماء، واختلف الناس في { وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } فقال مجاهد وغيره: المُوْقَدُ ناراً، ورُوِيَ أَنَّ البحرَ هو جَهَنَّمُ، وقال قتادة: { ٱلْمَسْجُورِ }: المملوء، وهذا معروف من اللغة، ورَجَّحَهُ الطبريُّ، وقال ابن عباس: هو الذي ذهب ماؤه، فالمسجور الفارغ، ورُوِيَ أَنَّ البحار يذهب ماؤها يومَ القيامة، وهذا معروف في اللغة، فهو من الأضداد، وقيل: يوقد البحر ناراً يَوْمَ القيامة، فذلك سجره، وقال ابن عباس أيضاً: { ٱلْمَسْجُورِ }: المحبوس؛ ومنه ساجور الكلب، وهي القلادة من عود أو حديد تمسكه، وكذلك لولا أَنَّ البحر يُمْسِكُ لفاض على الأرض، والجمهور على أَنَّه بحر الدنيا، وقال منذر بن سعيد: المُقْسَمُ به جهنم، وسمَّاها بحراً؛ لِسَعَتِها وتموجها؛ كما قال صلى الله عليه وسلم في الفرس: " وَإنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْراً " ، والقسم واقع على قوله: { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ } يريد: عذاب الآخرة واقع للكافرين؛ قاله قتادة، قال الشيخ عبد الحق في «العاقبة»: وَيُرْوَى أَنَّ عمر بن الخطاب ـــ رضي اللَّه عنه ـــ سَمِعَ قارئاً يقرأ: { وَٱلطُّورِ * وَكِتَـٰبٍ مَّسْطُورٍ } قال: هذا قَسَمٌ حَقٌّ، فلمَّا بلغ القارىء إلى قوله ـــ عز وجل ـــ: { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ } ظنَّ أَنَّ العذاب قد وقع به فَغُشِيَ عليه، انتهى، و { تَمُورُ } معناه: تذهب وتجيء بالرياح متقطعةً مُتَفَتِّتَةً، وسير الجبال: هو في أَوَّلِ الأمر، ثم تتفتَّتُ حتى تصيرَ آخراً كالعِهْنِ المنفوش، و { يُدَعُّونَ } قال ابن عباس وغيره: معناه: يُدْفَعُونَ في أعناقهم بشدة وإهانة وتَعْتَعَةٍ، ومنه:

السابقالتالي
2