الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } * { فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ }

وقوله سبحانه: { وَفِى ٱلسَّمَاءِ رِزْقُكُمْ } قال مجاهد وغيره: هو المطر، وقال واصل الأحدب: أراد القضاء والقدر، أي: الرزق عند اللَّه يأتي به كيف شاء سبحانه لا رَبَّ غيرُه، و { تُوعَدُونَ } يحتمل أَنْ يكونَ من الوعد، ويحتمل أَنْ يكونَ من الوعيد؛ قال الضَّحَّاكُ. المُرَادُ: من الجنة والنار، وقال مجاهد: المرادُ: الخيرُ والشَّرُّ، وقال ابن سيرين: المراد: الساعة، ثم أقسم سبحانه بنفسه على صِحَّةِ هذا القول والخبر، وشَبَّهَهُ في اليقين به بالنُّطْقِ من الإنسان، وهو عنده في غاية الوضوح، و«ما» زائدة تعطي تأكيداً، والنطق في هذه الآية هو الكلام بالحروف والأصوات في ترتيب المعاني، ورُوِيَ أَنَّ بَعْضَ الأعراب الفصحاء سَمِعَ هذه الآيةَ فقال: مَنْ أَحْوَجَ الكريمَ إلى أَنْ يحلف؟! والحكاية بتمامها في كتاب الثعلبيِّ، وسبل الخيرات، ورُوِيَ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " قَاتَلَ اللَّهُ قَوْماً، أَقْسَمَ لَهُمْ رَبُّهُمْ بِنَفْسِهِ فَلَمْ يُصَدِّقُوهُ " ورَوَى أبو سعيد الخُدَرِيُّ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: " لَوْ فَرَّ أَحَدُكُمْ مِنْ رِزْقِهِ لَتَبِعَهُ كَمَا يَتْبَعُهُ المَوْتُ " وأحاديث الرزق كثيرة، ومن كتاب «القصد إلى اللَّه سبحانه» للْمُحَاسِبِيِّ: قال: قلتُ لشيخنا: من أين وقع الاضطرابُ في القلوب، وقد جاءها الضمانُ من اللَّه عز وجل؟ قال: من وجهين.

أحدهما: قِلَّةُ المعرفة بحُسْنِ الظَّنِ، وإلقاءِ التُّهَمِ عن اللَّه عز وجل.

والوجه الثاني: أنْ يعارضها خوفُ الفَوْت، فتستجيبَ النفسُ للداعي، ويَضْعُفَ اليقينُ، ويَعْدِمَ الصبرُ، فيظهرَ الجَزَعُ.

قلتُ: شيءٌ غيرُ هذا؟ قال: نعم، إنَّ اللَّه عز وجل وَعَدَ الأرزاق، وضَمِنَ، وغَيَّبَ الأوقات؛ ليختبرَ أهلَ العقول، ولولا ذلك لكان كُلُّ المؤمنين راضين صابرين متوكِّلِين، لكنَّ اللَّه عز وجل أعلمهم أَنَّهُ رازقهم، وحَلَفَ لهم على ذلك، وغَيَّبَ عنهم أوقاتَ العطاء، فَمِنْ ها هنا عُرِفَ الخَاصّ من العامِّ، وتفاوت العبادُ في الصبر، والرضا، واليقين، والتوكل، والسكون، فمنهم ـــ كما علمتَ ـــ ساكنٌ، ومنهم متحرك، ومنهم راض، ومنهم ساخط، ومنهم جَزِعٌ، فعلى قَدْرِ ما تفاوتوا في المعرفة ـــ تفاوتوا في اليقين، وعلى قَدْرِ ما تفاوتوا في اليقين ـــ تفاوتوا في السكون والرضا والصبر والتوكل. اهـــ.