الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } * { كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } * { تَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي ٱلْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ } * { وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ وَلَـٰكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }

وقوله تعالى: { لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرٰءِيلَ... } الآية: قال ابنُ عباس (رضي اللَّه عنه): لُعِنُوا بكلِّ لسانٍ؛ لُعِنُوا في التوراةِ، وفي الزَّبُورِ، والإنجيلِ، والفُرْقَانِ.

وقوله سبحانه: { كَانُواْ لاَ يَتَنَـٰهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ... } الآية: ذَمَّ اللَّه سبحانه هذه الفِرْقَةَ الملْعُونَةَ؛ بأنهم كانوا لا يَتَنَاهَوْن عن منكرٍ فعلوه، أي: أنهم كانوا يتجاهَرُونَ بالمعاصِي، وإنْ نَهَىٰ منهم ناهٍ، ولم يمتنعْ عن مواصلةِ العاصِي، ومؤاكلتِهِ، وخُلْطَتِهِ؛ ورَوَى ابن مسعود، قال: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إنَّ الرَّجُلَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَ، إذَا رَأَىٰ أَخَاهُ عَلَىٰ ذَنْبٍ، نَهَاهُ عَنْهُ؛ تَعْذِيراً، فَإذَا كَانَ مِنَ الغَدِ، لَم يَمْنَعْهُ مَا رَأَىٰ مِنْهُ؛ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ أَوْ خَلِيطَهُ، فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ تَعَالَىٰ ذَلِكَ مِنْهُمْ، ضَرَبَ بِقُلُوبِ بَعْضِهِمْ عَلَىٰ بَعْضٍ، وَلَعَنَهُمْ عَلَىٰ لِسَانِ نَبِيِّهِمْ دَاوُدَ وعيسَىٰ " ، قال ابنُ مسعود: وكانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَّكِئاً فَجَلَسَ، وَقَالَ: " لاَ، وَاللَّهِ حَتَّىٰ تَأْخُذُوا عَلَىٰ يَدِ الظَّالِمِ، فَتَأطُرُوهُ عَلَى الحَقِّ أَطْراً " ، والإجماعُ علَىٰ أن النهْيَ عن المنْكَرِ ـــ واجبٌ لمن أطاقه، ونَهَىٰ بمعروفِ، أي: برفْقٍ، وقَوْلٍ معروفٍ، وأمْنِ الضرر عليه، وعلى المؤمنين، فإن تعذَّر علَىٰ أحَدٍ النَّهْيُ؛ لشيءٍ من هذه الوجوه، ففَرْضٌ عليه الإنكارُ بقلبه، وألاَّ يخالِطَ ذا المُنْكَرِ، وقال حُذَّاق أهْل العِلْم: لَيْسَ مِنْ شروط الناهِي أنْ يكون سليماً من المَعْصية، بل ينهَى العُصَاةُ بعضُهم بعضاً.

وقوله سبحانه: { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }: اللامُ لامُ قسَمٍ، وروى أبو داود عن أبي سعيدٍ الخدريِّ، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَفْضَلُ الجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ " ، أو قَالَ: " كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ أوْ أَمِيرٍ جَائِرٍ " انتهى.

وقوله تعالى لنبيِّه محمَّد ـــ عليه السلام ـــ: { تَرَىٰ كَثِيراً } يحتمل أن تكون رؤيةَ عَيْن؛ فلا يريد إلاَّ معاصريه، ويحتمل أنْ تكونَ رُؤْيَة قَلْب؛ وعلى هذا، فيحتمل أن يريد المعاصِرَين له، ويحتمل أن يُرِيدَ أسلافَهُم، و { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ }: عبدة الأوْثَان.

وقوله سبحانه: { لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ... } ، أي: قدَّمته للآخرة، واجترحته، ثم فسَّر ذلك قولُه تعالَىٰ: { أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ }؛ فـ { أَن سَخِطَ }: في موضع رَفْعٍ بدَلٍ من { مَا } ، ويتحمل أن يكون التقدير: هو أنْ سَخِطَ اللَّه عليهم.

وقوله تعالى: { والنَّبِيِّ } إنْ كان المرادُ الأَسْلاَفَ، فالنبيُّ: داودُ وعيسَىٰ، وإنْ كان المرادُ معاصِرِي نبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم، فالمراد بـ «النبي» هو صلى الله عليه وسلم.

وذهب بعضُ المفسِّرين إلى أنَّ قوله سبحانه: { تَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ } كلامٌ منقطعٌ من ذكر بني إسرائيل، وأنه يعني به المنافقين؛ ونحوه لمجاهد.