الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } * { وَإِذَا جَآءُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَقَدْ دَّخَلُواْ بِٱلْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ } * { وَتَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ ٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ ٱلإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }

وقوله سبحانه: { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً } ، يعني: مرجعاً عند اللَّه يوم القيامة؛ ومنه:وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ } [البقرة:125]، ومشى المفسِّرون في هذه الآية علَىٰ أنَّ الذين أُمِرَ ـــ عليه السلام ـــ أنْ يقول لهم: { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ } هم اليهودُ والكُفَّار المتَّخِذُون دينَنَا هُزُواً ولعباً؛ قال ذلك الطبريُّ، وتُوبِعَ عليه، ولم يُسْنِدْ في ذلك إلَىٰ متقدِّم شيئاً، والآيةُ تحتملُ أنْ يكون القول للمؤمنين، أي: قُلْ يا محمَّد، للمؤمنين: هَلْ أنبئكم بِشَرٍّ مِنْ حال هؤُلاء الفاسِقِينَ في وَقْتِ المَرْجِعَ إلى اللَّهِ؛ أولئك أسلافهم الَّذين لعنهم اللَّه، وغَضِبَ عليهم.

وقوله سبحانه: { وَجَعَلَ } ، هِيَ بمعنَىٰ «صَيَّرَ»، وقد تقدَّم قصص مَسْخِهِمْ قِرَدَةً في «البقرة»، و { عَبَدَ ٱلطَّـٰغُوتَ }: تقديره: ومَنْ عبَدَ الطاغوتَ، وقرأ حمزةُ وحده «وعَبُدَ الطَّاغُوتِ» ـــ بفتحِ العين، وضمِّ الباءِ، وكسرِ التاء مِنَ الطاغوت ـــ؛ وذلك أنَّ «عَبُدَ» لفظُ مبالغةٍ؛ كقَدُسَ.

قال الفَخْر: قيل: الطاغوتُ هنا: العِجْلُ، وقيل: الطاغوتُ أحبارهم، وكلُّ من أطاع أحداً في معصية اللَّهِ فقد عبده. انتهى.

و { مَكَاناً }: يحتمل أن يريد في الآخرةِ، فالمكان علَىٰ وجْهه، أي: المحلّ إذْ محلُّهم جهنَّم، ويحتملُ أنْ يريد في الدنيا، فهي استعارةٌ للمكانةِ، والحالةِ.

وقوله سبحانه: { وَإِذَا جَاءُوكُمْ } يعني: اليهودَ، وخاصَّة المنافقين منهم؛ قاله ابن عباس وغيره.

وقوله: { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ }: أي: من الكُفْر، والرؤيةُ هنا تَحْتملُ أنْ تكون قلبيةً، وأنْ تكون بَصَرِيَّةً، و { فِي ٱلإِثْمِ } ، أي: موجباتِ الإثمِ، واللامُ في: { لَبِئْسَ }: لام قَسَم.

وقوله تعالى: { لَوْلاَ يَنْهَـٰهُمُ ٱلرَّبَّـٰنِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ }: تحضيضٌ في ضمنه توبيخٌ لهم، قال الفَخْر: والمعنَىٰ: هَلاَّ ينهاهم. انتهى.

قال الطبريُّ: كان العلماءُ يقُولُون: ما في القرآن آيةٌ هي أشَدُّ توبيخاً للعلماءِ من هذه الآية، ولا أخْوَفُ عليهم منْها.

وقال الضحَّاك بنُ مُزَاحِمٍ: ما في القُرآنِ آيةٌ أخْوَفُ عندي منها؛ أنَّا لا نَنْهَىٰ؛ وقال نحو هذا ابنُ عَبَّاس.

وقوله سبحانه: { عَن قَوْلِهِمُ ٱلإثْمَ }: ظاهره أنَّ الإثم هنا يرادُ به الكُفْر، ويحتمل أن يراد سَائِرُ أقوالهم المُنْكَرَة في النبيِّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وقرأ ابن عباس: «بِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ»؛ بغير لام قَسَم.