الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

وقوله تعالى: { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلوٰةِ فَٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ... } الآية: قال ابن العَرَبِيِّ: في «أحكامه»: لا خِلاَفَ بَيْن العلماءِ أنَّ هذه الآيةَ مَدَنِيَّةٌ؛ كما أنه لا خِلاَفَ أنَّ الوضوء كانَ مَعْقُولاً قَبْلَ نزولها غَيْرَ مَتْلُوٍّ؛ ولذلك قال علماؤُنا: إنَّ الوُضُوءَ كان بمكَّة سُنَّةً، ومعناه: كان مفْعولاً بالسُّنَّة، وقوله: { إِذَا قُمْتُمْ }: معناه: إذا أردتُّمُ القِيَامَ إلى الصلاة. انتهى.

قال زيدُ بْنُ أَسْلَمَ والسُّدِّيُّ: معنى الآية: إذا قمتُمْ من المضاجِعِ، يعني النَّوْمَ، والقصْدُ بهذا التأويلِ أنْ يعمَّ الأحداث بالذِّكْر، وفي الآية علَىٰ هذا التأويلِ تقديمٌ وتأْخيرٌ، تقديره: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة من النومِ، أو جاء أَحدٌ منكم من الغائِطِ، أو لامَسْتُمُ النِّساء، يعني: الملامسة الصغْرَىٰ فٱغسلوا، وهنا تمَّتْ أحكامُ الحَدَثِ الأَصْغَرِ، ثم قال: { وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ } ، فهذا حُكْم نوعٍ آخر، ثم قال للنوعين جميعاً: { وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ...... فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً } ، وقال بهذا التأويل محمَّد بْنُ مَسْلمة مِنْ أصحاب مالكٍ وغيره.

وقال جمهورُ أهْلِ العِلْمِ: معنى الآيةِ: إذا قمتم إلى الصلاةِ مُحْدِثِينَ، وليس في الآيةِ علَىٰ هذا تقديمٌ ولا تأْخيرٌ، بل ترتَّب في الآية حُكْمُ واجِدِ المَاءِ إلى قوله: { فَٱطَّهَّرُواْ } ، ودخلَتِ الملامسةُ الصغْرَىٰ في قولنا: «مُحْدِثِينَ»، ثم ذكَرَ بعد ذلك بقوله: { وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَىٰ... } إلى آخر الآية حُكْمَ عادمِ الماءِ مِنَ النوعَيْنِ جميعاً، وكانت الملامسةُ هي الجماعَ.

وقال * ص *: { إِذَا قُمْتُمْ } أي: إذا أردتُّم، وعبَّر بالقيامِ عن إرادَتِهِ؛ لأنه مُسَبَّبٌ عنها. انتهى.

ومِنْ أحسن الأحادِيثِ وأصحِّها في فَضْل الطهارةِ والصَّلاة: ما رواه مالكٌ في «الموطَّإ»، عن العَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرحمن، عن أبِيهِ، عن أبي هريرة؛ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " أَلاَ أُخْبِرَكُمْ بِمَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ: إسْبَاغُ الوُضُوءِ عِنْدَ المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إلَى المَسَاجِدِ، وَٱنْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ "

قال أبو عمر في «التمهيد»: هذا الحديثُ مِنْ أَحْسَنِ ما رُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في فضائِلِ الأعمالِ.

قال صاحبُ «كتاب العَيْنِ»: الرِّبَاطُ: ملازمةُ الثُّغُور، قال: والرِّبَاطُ مواظبةُ الصلاةِ أَيضاً انتهى.

والغُسْلُ، في اللغة: إيجادُ المَاء في المَغْسُول، مع إمرار شَيْء علَيْه كاليَدِ، والوَجْه ما وَاجَهَ النَّاظر وقابله، والنَّاس كلُّهم علَىٰ أنَّ داخل العينَيْنِ لا يلْزَمُ غسله إلا ما رُوِيَ عنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أنه كان يَنْضَحُ الماءَ في عَيْنَيْهِ. واليَدُ لغةً تَقَعُ على العُضْوِ من المَنْكِبِ إلَى أطرافِ الأصابِعِ، وحَدَّ اللَّه سبحانه مَوضِعَ الغُسْلِ منه؛ بقوله: { إِلَى ٱلْمَرَافِقِ }.

واختلف العلماءُ، هل تدخُلُ المرافِقُ في الغُسْلِ أم لاَ، وتحريرُ العبارةِ في هذا المعنَىٰ: أنْ يقَالُ: إذا كان مَا بَعْد إلى لَيْسَ مما قَبْلَهَا، فالحَدُّ أولُ المذكورِ بعدها، وإذا كان ما بَعْدَها مِنْ جملة ما قَبْلَهَا، فالاحتياطُ يُعْطِي أنَّ الحدَّ آخر المذكور بَعْدَها؛ ولذلك يترجَّح دخولُ المرفَقَيْنِ في الغُسْل، والروايتان عن مالكٍ، قال ابنُ العَرَبِيِّ في «أحكامه»، وقد رَوَى الدارقطنيُّ وغيره عن جابرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، لَمَّا تَوَضَّأَ أَدَارَ المَاءَ عَلَىٰ مِرْفَقَيْهِ.

السابقالتالي
2 3