الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

وقوله تعالَى: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ... } الآية: تعديدٌ لما يُتْلَىٰ على الأمَّة ممَّا استثنَي من بهيمة الأَنْعَامِ، { وَٱلدَّمُ }: معناه: المَسْفُوح، { وَلَحْمُ ٱلْخِنزِيرِ }: مقتضٍ لشَحْمِهِ؛ بإجماع، { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ }: قد تقدَّم، { وَٱلْمُنْخَنِقَةُ }: معناه: التي تَمُوتُ خَنْقاً، { وَٱلْمَوْقُوذَةُ }: التي تُرْمَىٰ أو تُضْرَبُ بِعَصاً، وشبهها، { وَٱلْمُتَرَدّيَةُ }: هي التي تَتَرَدَّىٰ مِنْ عُلْوٍ إلَىٰ سُفْلٍ، فتموتُ، { وَٱلنَّطِيحَةُ }: فَعِيلَةٌ بمعنى مَفْعُولَةٍ، { وَمَا أَكَلَ ٱلسَّبُعُ }: يريد كُلَّ ما افترسَهُ ذو نَابٍ، وأظْفَارٍ من الحَيَوان، وكانَتِ العربُ تأكل هذه المذْكُورات، ولم تَعْتَقِدْ ميتةً إلا ما مَاتَ بالوَجَعِ ونحو ذلك.

واختلف العلماءُ في قوله تعالَىٰ: { إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } ، فقال ابنُ عباس، وجمهورُ العلماء: الاستثناءُ من هذه المذْكُوراتِ، فما أُدْرِكَ مِنْهَا يَطْرِفُ بِعَيْنٍ أو يُحَرِّكُ ذَنَباً، وبالجُمْلة: ما يتحقَّق أنه لم تَفِضْ نفسه، بل له حياةٌ، فإنه يُذَكَّىٰ علَىٰ سُنَّة الذَّكَاة، ويُؤْكَلُ، وما فَاضَتْ نفسه، فهو الميتَةُ، وقال مالكٌ مرَّةً بهذا القَوْلِ، وقال أيضاً، وهو المشهور عنه، وعن أصحابه مِنْ أهْل المدينة: إنَّ قوله تعالَىٰ: { إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ }: معناه: مِنْ هذه المذْكُورات في وَقْتٍ تَصِحُّ فيه ذَكاتُها، وهو ما لم تنفذ مقاتِلها، ويتحقَّق أنها لا تَعِيشُ، ومتَىٰ صارَتْ في هذا الحَدِّ، فهي في حُكْمِ المَيْتَة، فالاستثناءُ عند مالك مُتَّصِلٌ؛ كقول الجمهور، لكنه يُخَالِفُ في الحَالِ التي يَصِحُّ فيها ذَكاةُ هذه المذكورات وٱحْتُجَّ لمالِكٍ؛ بأنَّ هذه المذكوراتِ لو كَانَتْ لا تحرم إلاَّ بموتها، لكان ذكْرُ المَيْتَة أولاً يُغْنِي عنها، ومِنْ حُجَّة المخالِفِ أنْ قَالَ: إنما ذُكِرَتْ بسبب أنَّ العرب كانَتْ تعتقدُ أنَّ هذه الحوادِثَ كالذَّكَاة، فلو لم يُذْكَرْ لها غَيْرُ الميتةِ، لظَنَّتْ أنها ميتةُ الوَجَعِ؛ حَسْبما كانَتْ عليه، والذَّكَاةُ في كلام العرب: الذَّبْح.

وقوله سبحانه: { وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ }: عطفٌ على المحرَّمات المذْكُورة، والنُّصُب: حجارةٌ تُنْصَبُ، يذبحون علَيْها، قال ابنُ جُرَيْجٍ: وليسَتِ النُّصُب بأصنامٍ؛ فإن الصَّنَمُ يُصوَّر ويُنْقَشُ، وهذه حجارةٌ تُنْصَبُ، وكَانَتِ العربُ تَعْبُدُها، قال ابنُ زَيْدٍ: مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ: شيْءٌ واحدٌ.

قال * ع *: ما ذُبِحَ على النصبِ جُزْءٌ مِمَّا أهِلَّ به لغير اللَّه، لكنْ خُصَّ بالذِّكْر بعد جنْسِهِ؛ لشهرة أمْرِه.

وقوله سبحانه: { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ }: حرَّم سبحانه طَلَبَ القِسْمِ، وهو النَّصِيبِ، أوِ القَسْمِ بفتح القاف، وهو المصدَرُ؛ بالأزلامِ، وهي سهَامٌ، قال صاحبُ «سلاح المؤمن»: والاستقسامُ: هُوَ الضَّرْب بها؛ لإخراجِ مَا قُسِمَ لهم، وتَمْيِيزِهِ بزَعْمهم. انتهى، وأزْلاَمُ العَرَبِ علَىٰ أنواعٍ؛ منْها الثلاثةُ الَّتي كان يتَّخِذُها كلُّ إنسانٍ لنفسه علَىٰ أحدها «ٱفْعَلْ»، وعلى الآخر «لاَ تَفْعَلْ»، وثالثٌ مهملٌ؛ لا شيْءَ عليه، فيجعلها في خريطَةٍ معه، فإذا أراد فِعْلَ شيءٍ أدخَلَ يده، وهي متشابهَةٌ فأخْرَجَ أحدها، وَأْتَمَرَ له، وانتهَىٰ بحسب ما يَخْرُجُ له، وإنْ خرج القِدْحُ الذي لا شَيْءَ فيه، أعاد الضَّرْبَ.

السابقالتالي
2 3