الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمَا ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوۤاْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } * { قَالُواْ يَامُوسَىۤ إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّي لاۤ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } * { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ }

وقوله تعالى: { قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ } أي: يخافُونَ اللَّه سبحانَهُ؛ قال أكْثر المفسِّرين: الرجُلاَن يُوشَعُ بنُ نُونٍ، وهو ابنُ أخْتِ موسَىٰ، وكَالِبُ بْنُ يُوفَتَّا، { أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمَا } بالإيمان الصحيحِ، ورَبْطِ الجَأْشِ، والثبوتِ، وقولهم: { فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا... } الآية: عبارةٌ تقتضي كفراً، وقيل: المعنَىٰ: فاذهب أنْتَ وربك يعينُكَ، وأنَّ الكلام معصية لا كُفْر، وذكر ابن إسحاق وغيره؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كلَّم النَّاسَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَالَ لَهُمْ: " أَشِيرُوا عَلَيَّ، أَيُّهَا النَّاسُ، فَقَالَ لَهُ المِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَسْنَا نَقُولُ؛ كَمَا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ: { فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَـٰهُنَا قَـٰعِدُونَ } ، وَلَكِنْ نَقُولُ: ٱذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إنَّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ، ثُمَّ تَكَلَّمَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ بنَحْوِ هذا المعنَىٰ " ، ولما سَمِعَ موسَىٰ ـــ عليه السلام ـــ قولهم، ورأَىٰ عصيانهم، تبرَّأ إلى اللَّه منهم، وقال داعياً عليهم: { قَالَ رَبِّ إِنِّي لآ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي } ، يعني: هارونَ.

وقوله: { فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا }: دعاء حرجٍ، والمعنى: فافرق بيننا وبينهم حتى لا نشقَىٰ بفسقهم، { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ } أي: قال اللَّه، وحرَّم اللَّه تعالَىٰ على بني إسرائيل دخولَ تلك المدينة أربعين سنةً يتيهونَ في الأرض، أي: في أرض تلك النازلة، وهو فَحْص التيه؛ وهو؛ علَىٰ ما يحكَىٰ: طولُ ثلاثين ميلاً، في عَرْضِ ستَّةِ فراسِخَ، ويروَىٰ أنه لم يدخلِ المدينةَ أحد من ذلك الجِيلِ إلاَّ يُوشَعَ، وكَالُوث، وروي أنَّ يُوشَعَ نُبِّىءَ بعد كمالِ الأربعين سنَةً، وخرَجَ ببني إسرائيل من التيه، وقاتل الجَبَّارين، وفتح المدينةَ، وفي تلك الحَرْب، وقفَتْ له الشمسُ ساعةً، حتى استمرَّ هزم الجبَّارين، والتيه: الذَّهَاب في الأرض إلى غير مقصِدٍ معلوم.

وقوله تعالى: { فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَـٰسِقِينَ } معناه: فلا تحزَنْ، والخطابُ بهذه الآية لموسَىٰ ـــ عليه السلام ـــ، قال ابنُ عباس: ندم موسَىٰ على دعائه علَىٰ قومه، وحزن عليهم، فقال الله له: { فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَـٰسِقِينَ }.