الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ ٱلزَّكَاةَ وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } * { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

وقوله سبحانه: { وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ بَنِي إِسْرَٰءِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً }: هذه الآيةُ المتضمِّنة للخَبَرِ عن نَقْضِهِمْ مواثيقَ اللَّه تعالَىٰ ــــ تُقَوِّي أنَّ الآية المتقدِّمة في كَفِّ الأَيْدِي، إنَّما كانَتْ في أمر بني النَّضِيرِ، والإجماعُ علَىٰ أنَّ النقيب كَبِيرُ القَوْمِ، القائمُ بأمورهم، قال قتادة وغيره: هؤلاءِ النُّقَبَاءُ قوْمٌ كبارٌ مِنْ كُلِّ سبْطٍ، تكَفَّل بكلِّ واحدٍ سِبْطُهُ، بأنْ يؤمنوا ويلتزموا التقوَىٰ.

قال * ع *: ونحو هذا كانَتِ النقباءُ ليلَةَ بَيْعَةِ العَقَبَةِ، مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والضميرُ في { مَعَكُمْ } ، لبني إسرائيل، أيْ: معكم بنَصْري، وحِيَاطَتِي، وتأييدي، واللام في قوله: { لَئِنْ }: هي المُؤْذِنَةُ بمجيء القَسَمِ، ولامُ القَسمِ هي قوله: { لأُكَفّرَنَّ }؛ والدليل علَىٰ أنَّ هذه اللام إنما هي مؤذنةٌ: أنَّهَا قد يستغنَىٰ عنها أحياناً، ويتمُّ الكلامُ دونها، ولو كانَتْ لاَمَ قَسَمٍ، لم يترتَّب ذلك، وإقامةُ الصلاةِ: توفيةُ شروطها، والزكاةُ هنا: شَيْءٌ من المالِ كان مفروضاً عليهم فيما قال بعضُ المفسِّرين، { وعَزَّرتموهم }: معناه: وقَّرْتُمُوهم، وعَظَّمْتموهم، ونَصَرْتُموهم، وقرأ عاصمٌ الجَحْدَرِيُّ: «وَعَزَرْتُمُوهُمْ» ـــ خفيفة الزاي ـــ؛ حيثُ وقع، وقرأ في «سورة الفتحِ»: «وتَعْزُرُوهُ» ـــ بفتح التاء، وسكونِ العينِ، وضمِّ الزاي ـــ، وسَواءُ السَّبِيلِ: وَسَطُه، وسائرُ ما في الآية بَيِّن، واللَّه المستعان.

وقوله تعالى: { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَـٰقَهُمْ لَعنَّـٰهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَـٰسِيَةً... } الآية: أيْ: فبنقضِهِمْ، والقَسْوَةُ: غَلِظ القَلْب، ونُبُوُّهُ عن الرِّقَّة والمَوْعِظَة، وصَلاَبَتُهُ حتَّىٰ لا ينفعلَ لخَيْرٍ.

وقوله تعالى: { وَنَسُواْ حَظَّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ }: نصٌّ علَىٰ سوءِ فِعْلِهِمْ بأنفسهم، أي: قد كان لهم حظٌّ عظيمٌ فيما ذُكِّروا به، فَنَسُوه، وتركُوه، ثم أخبر تعالَىٰ نبيَّه ـــ عليه السلام ـــ؛ أنه لا يَزَالُ في مستأْنَفِ الزَّمان يطَّلع علَىٰ خائِنَةٍ منهم، وغائلةٍ، وأمورٍ فاسدةٍ.

قالت فرقة: خَائِنَة: مصدرٌ، والمعنَىٰ: علَىٰ خِيَانَةٍ، وقال آخرون: معناه: علَىٰ فرْقَةٍ خائِنَةٍ، فهي اسمُ فاعلٍ صفةٌ لمؤنَّث.

وقوله تعالى: { فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ }: منسوخٌ بما في «براءة»، وباقي الآية بيِّن.