الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

وقوله تعالى: { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ... } الآية: قال أبو ثعلبة الخُشَنِيُّ: سَأَلتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم عَنْ هذه الآيةِ، فَقَالَ: " ٱئْتَمِرُوا بِالمَعْرُوفِ وَٱنْهَوْا عَنِ المُنْكَرِ، فَإذَا رَأَيْتَ دُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَشُحًّا مُطَاعاً، وإعْجَابَ كُلِّ ذِيَ رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِخُوَيْصَّةِ نَفْسِكَ، وذَرْ عَوَامَّهُمْ؛ فَإنَّ وَرَاءَكِمُ أَيَّاماً؛ أَجْرُ العَامِلِ فِيهَا كَأَجْرِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ " ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ الَّذِي لاَ نَظَرَ لأحَدٍ مَعهُ؛ لأنَّهُ مُسْتَوْفٍ لِلصَّلاَحِ صادرٌ عن النبيِّ ـــ عليه السلام ـــ، وجملةُ ما عليه أهْلُ العِلْمِ في هذا أنَّ الأمر بالمعروفِ متعيِّن، متَىٰ رُجِيَ القبولُ، أو رُجِيَ ردُّ الظالم، ولو بعنف ما لم يَخَفِ الآمرُ ضرراً يلحقه في خاصَّته، أو فتنةً يُدْخِلُها على المُسْلمين؛ إما بشَقِّ عَصَا، وإما بضَرَرٍ يلحق طائفةً من الناس، فإذا خيف هذا، فـ { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ }: محكَمٌ واجبٌ أنْ يوقَفَ عنده.

وقوله سبحانه: { إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } ، هذا تذكيرٌ بالحَشْر وما بعده، وذلك مُسَلٍّ عن أمور الدنيا، مكروهِهَا ومحبوبِها، رُوِيَ عن بعض الصالحين؛ أنه قال: ما مِنْ يَوْمٍ إلاَّ ويجيءُ الشيطانُ، فيقول: ما تأكلُ، وما تلبسُ، وأين تَسْكُنُ، فأقول له: آكُلُ المَوْتَ، وألْبَسُ الكَفَنَ، وأسْكُنُ القَبْرَ.

قال * ع *: فَمَنْ فكَّر في مرجعه إلى اللَّه سبحانه، فهذا حاله، قلْتُ: وخرَّج البغويُّ في «المسنَدِ المنتَخَبِ»، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أنَّهُ قَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّكُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالاً تَعْزُبُ عَنْكُمْ إلَىٰ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَتُوشِكُ العَوَازِبُ أَنْ تَؤوبَ إلَىٰ أَهْلِهَا، فَمَسْرُورٌ بِهَا، وَمَكْظُومٌ " انتهى من «الكوكب الدري»، واللَّه المستعان.