الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }

وقوله تعالى: { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ } قال جمهور الناس: هو ابتداء وخبر، استوفى فيه تعظيمَ منزلة النبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله: { وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } ابتداء، وخبره: { أَشِدَّاءُ } و { رُحَمَاءُ } خبر ثانٍ، وهذا هو الراجح؛ لأَنَّهُ خبر مضاد لقول الكفار: «لا تكتب مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ»، { وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } إشارة إلى جميع الصحابة عند الجمهور، وحكى الثعلبيُّ عن ابن عباس أَنَّ الإشارة إلى مَنْ شَهِدَ الحديبية.

* ت *: ووصف تعالى الصحابة بأَنَّهُمْ رحماء بينهم، وقد جاءت أحاديثُ صحيحةٌ في تراحم المؤمنين؛ حدثنا الشيخ وليُّ الدين العراقيُّ بسنده عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاصي أَنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: " الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمٰنُ؛ ارْحَمُوا مَنْ في الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ " وأخرج الترمذيُّ من طريق أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال: " لاَ تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إلاَّ مِنْ [قَلْبٍ] شَقِيٍّ " وخَرَّجَ عن جرير بن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: " مَنْ لاَ يَرْحَمِ النَّاسَ، لاَ يَرْحَمْهُ اللَّهُ " قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهذا الحديث خَرَّجه مسلم عن جرير، وخَرَّجَ مسلم أيضاً من طريق أبي هريرةَ: " مَنْ لاَ يَرْحَمْ لاَ يُرْحَمْ " انتهى، وبالجملة: فأسباب الألفة والتراحم بين المؤمنين كثيرةٌ، ولو بأَنْ تَلْقَى أخاك بوجه طَلْقٍ، وكذلك بَذْلُ السلام وَطيِّبُ الكلام، فالمُوَفَّقُ لا يحتقر من المعروف شيئاً، وقد روى الترمذي الحكيم في كتاب «ختم الأولياء» له بسنده عن عمر بن الخطاب ـــ رضي اللَّه عنه ـــ قال: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: " إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ كَان أَحَبَّهُمَا إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَحْسَنُهُمَا بِشْراً بِصَاحِبِهِ " أوْ قَالَ: " أَكْثَرُهُمَا [بِشْراً] بِصَاحِبِهِ، فَإذَا تَصَافَحَا، أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، تِسْعُونَ مِنْهَا لِلَّذِي بَدَأَ، وَعَشَرَةٌ لِلَّذِي صُوفِحَ " انتهى.

وقوله: { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً } أي: ترى هاتين الحالتين كثيراً فيهم و { يَبْتَغُونَ }: معناه: يطلبون.

وقوله سبحانه: { سِيمَـٰهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ } قال مالك بن أنس: كانت جِبَاهُهُم مَتْرِبَةً من كثرة السجود في التراب؛ وقاله عِكْرِمَةُ، ونحوه لأبي العالية، وقال ابن عباس وخالد الحنفي وعطية: هو وعد بحالهم يومَ القيامة من اللَّه تعالى، يجعل لهم نوراً من أَثر السجود، قال * ع *: كما يجعل غُرَّةً من أثر الوضوء، حسبما هو في الحديث، ويؤيد هذا التأويلَ اتصالُ القولِ بقوله: «فَضْلاً مِنَ اللَّهِ» وقال ابن عباس: السَّمْتُ الحَسَنُ هو السيما، وهو خشوع يبدو على الوجه، قال * ع *: وهذه حالةُ مُكْثِرِي الصلاةَ؛ لأَنَّها تنهاهم عن الفحشاء والمنكر، وقال الحسن بن أبي الحسن، وشِمْرُ بن عَطِيَّةَ: «السيما»: بَيَاضٌ وصُفْرَةٌ وتَبْهِيجٌ يعتري الوجوهَ من السَّهَرِ، وقال عطاء بن أبي رباح، والربيع بن أنس: «السِّيمَا»: حُسْنٌ يعتري وُجُوهَ المُصَلِّينَ، قال * ع *: ومن هذا الحديثُ الذي في «الشِّهاب»:

السابقالتالي
2 3