الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً } * { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً }

وقوله سبحانه: { لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّؤْيَا بِٱلْحَقِّ... } الآية: " رُوِيَ في تفسيرها أن النبي صلى الله عليه وسلم رَأَىٰ في مَنَامِهِ عِنْدَ خُرُوجِهِ إلَى الْعُمْرَةِ أَنَّهُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، بَعْضُهُمْ مُحَلِّقُونَ، وَبَعْضُهُمْ مُقَصِّرُونَ " وقال مجاهد: رأى ذلك بالحديبية فأخبر الناسَ بهذه الرؤيا، فَوَثِقَ الجميعُ بأَنَّ ذلك يكون في وجهتهم تلك، وقد كان سَبَقَ في علم اللَّه أنَّ ذلك يكون، لكن ليس في تلك الوجهة، فَلَمَّا صَدَّهُمْ أهلُ مَكَّةَ قال المنافقون: وأين الرؤيا؟ ووقع في نفوس بعض المسلمين شيء من ذلك، فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بأَنْ قَالَ: " وَهَلْ قُلْتُ لَكُمْ: يَكُونُ ذَلِكَ فِي عَامِنَا هَذَا " ، أَوْ كَمَا قَالَ، ونطق أبو بكر قبل ذلك بنحوه، ثم أنزل اللَّه عز وجل: { لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّؤْيَا بِٱلْحَقِّ... } الآية، واللام في: { لَتَدْخُلُنَّ } لامُ القَسَمِ.

وقوله: { إِن شَاءَ ٱللَّهُ } اخْتُلِفَ في هذا الاستثناء، فقال بعض العلماء: إنَّما استثنى من حيثُ إنَّ كل واحد من الناس متى رَدَّ هذا الوعد إلى نفسه، أمكن أَنْ يتمّ الوعد فيه وأَلاَّ يتمّ؛ إذ قد يموت الإنسان أو يمرض لحينه، فلِذلك استثنى عز وجل في الجملة؛ إذ فيهم ـــ ولا بُدَّ ـــ مَنْ يموتُ أو يمرض.

* ت *: وقد وقع ذلك حسبما ذكر في السِّيَرِ، وقال آخرون: هو أخذ من اللَّه تعالى [على عباده] بأدبه في استعمال الاستثناء في كل فعل.

* ت *: قال ثعلب: استثنى اللَّه تعالى فيما يعلم؛ ليستثنيَ الخَلْقُ فيما لا يعلمون، وقيل غير هذا، ولما نزلت هذه الآية عَلِمَ المسلمون أَنَّ تلك الرؤيا ستخرج فيما يستأنفونه من الزمان، فكان كذلك، فخرج صلى الله عليه وسلم في العام المُقْبِلِ واعتمر.

وقوله سبحانه: { فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ } يريد ما قَدَّرَهُ من ظهور الإسلام في تلك المدة ودخول الناس فيه.

وقوله: { مِن دُونِ ذَلِكَ } أي: من قبل ذلك، وفيما يدنو إليكم، واختلف في الفتح القريب، فقال كثير من العلماء: هو بيعة الرضوان وصُلْحُ الحديبية، وقال ابن زيد: هو فتح خيبر.