الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } * { وَلَوْ قَـٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كفَرُواْ لَوَلَّوُاْ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } * { وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } * { هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } * { إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ وَكَانُوۤاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }

وقوله سبحانه: { وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا } قال ابن عباس: الإشارة إلى بلاد فارس والروم، وقال قتادة والحسن: الإشارة إلى مَكَّةَ، وهذا قول يَتَّسِقُ معه المعنى ويتأيَّد.

وقوله: { قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا } معناه: بالقُدْرَةِ وَالْقَهْرِ لأهلها، أي: قد سبق في علمه ذلك، وظهر فيها أَنَّهم لم يقدروا عليها.

* ت *: قوله: وظهر فيها إِلى آخرهِ كلامٌ غير محصل، ولفظ الثعلبيِّ: { وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا } أي: وعدكم فتح بلدة أخرى لم تقدروا عليها، قد أحاط اللَّه بها لكم حَتَّى يفتحها عليكم، وقال ابن عباس: علم اللَّه أَنَّه يفتحها لكم، قال مجاهد: هو ما فتحوه حتى اليوم، ثم ذكر بَقِيَّةَ الأقوال، انتهى.

وقوله سبحانه: { وَلَوْ قَـٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كفَرُواْ } يعني: كفار قريش في تلك السنة { لَوَلَّوُاْ ٱلأَدْبَـٰرَ ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيِّاً وَلاَ نَصِيراً }.

وقوله: سنة اللَّه أي: كَسُنَّةِ اللَّه، إشارةً إلى وقعة بدر، وقيل: إشارة إلى عادة اللَّه من نصر الأنبياء، ونصب «سنة» على المصدر.

وقوله تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِى كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ... } الآية، رُوِيَ في سببها أَنَّ قريشاً جمعت جماعة من فتيانها، وجعلوهم مع عِكْرِمَةَ بن أبي جهل، وخرجوا يطلبون غرَّةً في عسكر النبيِّ ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ واختلف الناسُ في عدد هؤلاء اختلافاً متفاوتاً؛ فلذلك اختصرته، فلمَّا أَحَسَّ بهم المسلمون بعث رسول اللَّه ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ في أَثَرِهِمْ خالدَ بنَ الوليد، وسَمَّاهُ يومئذٍ سَيْفَ اللَّه في جملة من الناس، فَفَرُّوا أمامهم، حَتَّى أدخلوهم بُيُوتَ مَكَّةَ، وأَسَرُوا منهم جملة، فَسِيقُوا إلى النبيِّ ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ فَمَنَّ عليهم وأطلقهم؛ قال الوَاحِدِيُّ: وكان ذلك سَبَبَ الصلح بينهم، انتهى.

وقوله سبحانه: { هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني: أهل مكة { وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } أي: منعوكم من العمرة، وذلك أَنَّ النَّبِيَّ ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ خرج من المدينة إلى الحديبية في ذي القعدة سنة ست يريد العمرة وتعظيم البيت وخرج معه بمائة بدنة وقيل بسبعين فأجمعت قريش لحربه وغوروا المياه التي تقرب من مكة فجاء ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ حتى نزل على بئر الحديبية وحينئذ وضع سهمه في الماء فجرى غمراً حتى كفى الجيش ثم بعث ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ إليهم عثمان كما تقدم وبعثوا هم رجالاً آخرهم سهيل بن عمرو وبه انعقد الصلح على أن ينصرف ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ ويعتمر من قابل فهذا صدهم إياه وهو مستوعب في السير، { وَٱلْهَدْيَ } معطوف على الضمير في «صدوكم» [أي] وصدوا الهدي، «ومعكوفاً» حال، ومعناه: محبوساً، تقول عكفت الرجل عن حاجته إذا حبسته، وحبس الهدي من قبل المشركين هو بصدهم، ومن قبل المسلمين لرؤيتهم ونَظَرِهِمْ في أَمرهم؛ لأجل أَنْ يبلغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ، وهو مَكَّةُ والبَيْتُ، وهذا هو حَبْسُ المسلمين، وذكر تعالى العِلَّةَ في أَنْ صَرَفَ المسلمين، ولم يمكنهم من دخول مَكَّةَ في تلك الوجهة، وهي أَنَّهُ كان بمكة مؤمنون من رجال ونساء خَفِيَ إيمانهم، فَلَوِ استباح المسلمون بيضتها أهلكوا أولئك المؤمنين؛ قال قتادة: فدفع اللَّه عن المشركين بأولئك المؤمنون، والوَطْءُ هنا: الإهلاك بالسيف وغيره؛ ومنه قوله ـــ صلى الله عليه وسلم ــ

السابقالتالي
2 3