الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ } * { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } * { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَٰهُمْ } * { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ } * { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ } * { طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ }

وقوله سبحانه: { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ } يعني بذلك: المنافقين { حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ ءَانِفاً }؛ عَلَى جِهَةِ الاسْتِخْفَاف، ومنهم مَنْ يقوله جهالةً ونسياناً، و { ءَانِفاً } معناه: مبتدئاً، كأَنَّه قال: ما القولُ الذي ٱئْتَنَفَهُ الآنَ قَبْلَ ٱنفصالِنَا عَنْهُ، والمفسِّرون يقولون: { ءَانِفاً } معناه: الساعةَ الماضيةَ، وهذا تفسيرٌ بالمعنى.

* ت *: وقال الثعلبيُّ: { ءَانِفاً } أي: الآنَ، وأصله الابتداء، قال أبو حَيَّان: { ءَانِفاً } بالمدِّ والقَصْرِ: اسمُ فاعِل، والمُسْتَعْمَلُ من فعله: ٱئْتَنَفْتُ، ومعنى: { ءَانِفاً } مبتدئاً، فهو منصوبٌ على الحال، وأعربه الزَّمْخَشْرِيُّ ظَرْفاً، أي: الساعةَ، قال أبو حَيَّان: ولا أعلم أحداً من النحاة عَدَّه مِنَ الظُّرُوفِ، انتهى، وقال العِرَاقِيُّ: { ءَانِفاً } أي: الساعة.

وقوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى } أي: زادهم اللَّه هدى، ويحتمل: زادهم استهزاءُ المنافقين هُدًى، قال الثعلبيُّ: وقيل: زَادَهُمْ ما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم هُدًى؛ قال * ع *: الفاعل في { وَأَتَـٰهُمْ } يتصرَّفُ القولُ فيه بحسب التأويلاتِ المذكورةِ، وأقواها أنَّ الفاعِلَ اللَّهُ تعالى، { وَأَتَـٰهُمْ } معناه: أعطَاهُمْ، أي: جعلهم مُتَّقِينَ.

وقوله تعالى: { فَهَلْ يَنظُرُونَ } يريد: المنافقين، والمعنى: فهل يَنْتَظِرُونَ؟ و { بَغْتَةً } معناه فجأة.

وقوله: { فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا } أي: فينبغي الاستعدادُ والخوفُ منها، والذي جاء من أشراط الساعة: محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم؛ لأَنَّه آخر الأنبياء، وقال ـــ عليه السلام ـــ: " بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ " والأحاديثُ كثيرةٌ في هذا الباب.

وقوله تعالى: { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ... } الآية: إضرابٌ عن أمْرِ هؤلاء المنافقين، وذكر الأَهَمِّ من الأمر، والمعنى: دُمْ علَىٰ عِلْمِكَ، وهذا هو القانُونُ في كُلَّ مَنْ أُمِرَ بشيْء هو مُتَلَبِّسٌ به، وكُلُّ واحدٍ مِنَ الأُمَّةِ داخلٌ في هذا الخِطابِ، وعن أبي هريرةَ قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: " مَا قَالَ عَبْدُ: لاَ إلٰهَ إلاَّ اللَّهُ مُخْلِصاً، إلاَّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، حَتَّىٰ تُفْضِيَ إلَى الْعَرْشِ مَا ٱجْتُنِبَتْ الكَبَائِرُ " ، رواه الترمذي والنسائيُّ، وقال الترمذيُّ واللفظ له: حديث حسن غريب، انتهى من «السلاح».

وقوله تعالى: { وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ } أي: لِتَسْتَنَّ أُمَّتُكَ بِسُنَّتِكَ.

* ت *: هذا لفظ الثعلبيِّ، وهو حَسَنٌ، وقال عِيَاضٌ: قال مَكِّيٌّ: مخاطبةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ههنا هي مخاطبةٌ لأُمَّتِهِ، انتهى.

قال * ع *: وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال: " مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ، فَليَسْتَغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ " وبَوَّبَ البخاريُّ ـــ رحمه اللَّه ـــ العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ؛ لقوله تعالى: { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ }.

وقوله تعالى: { وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ... } الآية: وواجبٌ على كل مؤمن أنْ يستغفر للمؤمنين والمؤمنات؛ فإنَّها صَدَقَةٌ، وقال الطبريُّ وغيره: { مُتَقَلَّبَكُمْ }: مُتَصَرَّفَكُمْ في يقظتكم { وَمَثْوَاكُمْ } منامكم، وقال ابن عباس: { مُتَقَلَّبَكُمْ } تَصَرُّفُكُمْ في حياتكم الدنيا { وَمَثْوَاكُمْ }: إقامتكم في قبوركم، وفي آخرتكم.

السابقالتالي
2