وقوله سبحانه: { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِىَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ } يعني: مَكَّة { ٱلَّتِى أَخْرَجَتْكَ } معناه: وَقْتَ الهِجْرَةِ، ويقال: إنَّ هذه الآيةَ نزلَتْ إثْرَ خُرُوجِ النَّبِيِّ ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ من مَكَّةَ، وقيل غَيْرُ هذا.
وقوله سبحانه: { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ... } الآية، توقيفٌ وتقريرٌ، وهي معادلةٌ بين هذَيْن الفريقَيْن، اللفظ عامٌّ لأهل هاتين الصفتين غابرَ الدَّهْرِ، و { عَلَىٰ بَيِّنَةٍ } أي: على يقين وطريق واضحةٍ وعقيدة نَيِّرَةٍ بَيِّنَةٍ.
وقوله سبحانه: { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ... } الآية، قال النَّضْرُ بن شُمَيْلٍ وغيره { مَثَلُ } معناه: صفةٌ؛ كأَنَّهُ قال: صفة الجنة: ما تسمَعُونَ فيها كذا وكذا.
وقوله: { فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ } معناه: غيرُ مُتَغَيِّرٍ؛ قاله ابن عباس وقتادة، وسواءٌ أنتن أو لم يُنْتِنْ.
وقوله في اللبن: { لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ }: نَفْيٌ لجميعِ وجوهِ الفَسَادِ فيه.
وقوله: { لَذَّةٍ لِّلشَّـٰرِبِينَ } جمعتْ طِيبَ الطَّعْمِ وَزَوالَ الآفاتِ من الصُّدَاعِ وغيره، وتصفيةُ العَسَلِ مُذْهِبَةٌ لمومه وَضَرَره.
* ت *: ورُوِّينَا في كتاب التِّرْمِذِيِّ عن حَكِيمِ بن مُعَاوِيَةَ عنِ أبيه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ في الجَنَّةِ بَحْرَ المَاءِ، وَبَحْرَ الْعَسَلِ، وَبَحْرَ اللَّبَنِ، وَبَحْرَ الخَمْرِ، ثُمَّ تَشَقَّقُ الأَنْهَارُ بَعْدُ " قال أبو عيسَىٰ: هذا حديث حسنٌ صحيحٌ، انتهى.
وقوله: { وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرٰتِ } أي: من هذه الأنواع لكنها بعيدة الشبه؛ تلك لا عَيْبَ فيها ولا تَعَبَ.
وقوله: { وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ } معناه: وتنعيمٌ أعطته المغفرةُ وَسَّبَّبَتْهُ، وإلاَّ فالمغفرة إنَّما هي قبل دخول الجَنَّةِ.
وقوله سبحانه: { كَمَنْ هُوَ خَـٰلِدٌ فِى ٱلنَّارِ... } الآية، قبله محذوفٌ، تقديره: أَسُكَّانُ هذه، أو تقديره: أهؤلاءِ المتقون كَمَنْ هو خالد في النار.