الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ } * { وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ }

وقوله عز وجل: { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ... } الآية، المعنى: واذكر يومَ يُعْرَضُ، وهذا العرض هو بالمباشرة { أَذْهَبْتُمْ } أي: يقال لهم: { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِى حَيَـٰتِكُمُ ٱلدُّنْيَا } و«الطَّيِّبَاتُ» هنا: المَلاَذُّ، وهذه الآية، وإنْ كانت في الكُفَّار، فهي رادعة لأُولي النُّهَىٰ من المؤمنين عن الشهوات واستعمالِ الطَّيِّبَاتِ؛ ومن ذلك قولُ عُمَرَ ـــ رضي اللَّه عنه ـــ: أتَظُنُّونَ أَنَّا لا نَعْرِفُ طَيِّبَ الطَّعَامِ؟ ذلك لُبَابُ البُرِّ بِصِغَارِ المِعْزَىٰ، ولكنِّي رأيتُ اللَّه تعالى نَعَىٰ عَلَىٰ قومٍ أَنَّهم أَذْهَبُوا طَيِّبَاتِهِمْ في حياتِهِمُ الدنيا، ذكَرَ هذا في كلامِهِ مع الرَّبيع بْنِ زِيَادٍ، وقال أيضاً نحو هذا لخالد بن الوَلِيدِ حينَ دَخَلَ الشَّامَ، فَقُدِّمَ إليه طعام طَيِّبٌ، فقال عمر: هذا لنا، فما لفقراءِ المسلمينَ الَّذِينَ ماتوا ولم يَشْبَعُوا من خُبْزِ الشَّعِير؟ فقال خالدٌ: لَهُمُ الجَنَّةُ، فبكَىٰ عُمَرُ، وقال: لَئِنْ كَانَ حَظُّنَا في الحُطَامَ، وذَهَبُوا بالجَنَّةِ ـــ فَقَدْ بَانُوا بُوْناً بَعِيداً، وقال جابرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: اشتريت لحماً بدرهم، فرآني عمر، فقال: أَوَكُلَّمَا اشْتَهَىٰ أَحَدُكم شَيْئاً اشتراه فأكَلَهُ؟! أما تخشَىٰ أنْ تكون من أهل هذه الآية، وتلا: { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِى حَيَـٰتِكُمُ ٱلدُّنْيَا } * ت *: والآثار في هذا المعنى كثيرةٌ جِدًّا، فمنها ما رواه أبو داود في سُنَنِهِ، عن عبد اللَّه بن بُرَيْدَةَ أَنَّ رجُلاً من أصحاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، رَحَلَ إلى فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، وهو بِمَصْرَ، فَقَدِمَ عليه، فقال: أَمَا إنِّي لم آتِكَ زَائِراً ولكنْ سَمِعْتُ أَنا وأَنْتَ حَدِيثاً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، رَجَوْتُ أَنْ يكونَ عندَكَ منْهُ عِلْمٌ، قال: ما هو؟ قال: كذا وكذا، قال: فمالي أَرَاكَ شَعْثاً وأَنْتَ أَمِيرُ الأَرْضِ؟! قال: إنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، كان ينهَىٰ عن كثيرٍ من الإرفَاهِ، قال: فمالي لا أرَىٰ عَلَيْكَ حِذَاءً؟ قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، يأمرنا أَنْ نَحْتَفِيَ أحياناً، وروَىٰ أبو داوُدَ عَنْ أَبي أُمَامَةَ قال: " ذكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يوماً عنده الدنيا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ تَسْمَعُونَ أَنَّ الْبَذَاذَةَ مِنَ الإيمَانِ؟ إِنَّ الْبَذَاذَةَ مِنَ الإيمَانِ، إن الْبَذَاذَةَ مِنَ الإِيمَانِ» " قال أبو داوُدَ: يعني: التَّقَحُّلَ، وفسر أبو عمر بن عبد البَرِّ: «البَذَاذَةَ» بِرَثِّ الْهَيْئَةِ، ذكر ذلك في «التمهيد»، وكذلك فَسَّرَهَا غيره، انتهى،، وروى ابن المبارك في «رقائقه» من طريق الحسن عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ خَرَجَ في أَصْحَابِهِ إلَى بَقِيعِ الغَرْقَدِ، فَقَالَ: " السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْقُبُورِ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا نَجَّاكُمُ اللَّهُ مِنْهُ مِمَّا هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكُم! ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَىٰ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: هَؤُلاَءِ خَيْرٌ مِنْكُمْ؛ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إخْوانُنَا، أَسْلَمْنَا كَمَا أَسْلَمُوا، وَهَاجَرْنَا كَمَا هَاجَرُوا، وَجَاهَدْنَا كَمَا جَاهَدُوا، وَأَتَوا عَلَىٰ آجَالِهِمْ فَمَضَوْا فِيهَا وَبَقِينَا في آجالِنَا، فَمَا يَجْعَلُهُمْ خَيْراً مِنَّا؟! قال: هَؤُلاَءِ خَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَأْكُلُوا مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَخَرَجُوا وَأَنا الشَّهِيدُ عَلَيْهِمْ، وإنَّكُمْ قَدْ أَكَلْتُمْ مِنْ أُجُورِكُمْ، وَلاَ أَدْرِي مَا تُحْدِثُونَ مِنْ بَعْدِي؟ قال: فَلَمَّا سَمِعَهَا الْقَوْمُ عَقَلُوهَا وَانْتَفَعُوا بِهَا، وَقَالُوا: إنَّا لَمُحاسَبُونَ بِمَا أَصَبْنَا مِنَ الدُّنْيَا، وَإنهُ لَمُنْتَقَصٌ بِهِ مِنْ أُجُورِنَا "

السابقالتالي
2