الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيۤ أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } * { وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَٰلَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

وقوله تعالى: { وَٱلَّذِى قَالَ لِوٰلِدَيْهِ } قال الثعلبيُّ: معناه: إذ دَعَوَاهُ إلى الإيمان، { أُفٍّ لَّكُمَا... } الآية، انتهى، و { ٱلَّذِى } يعنى به الجِنْسِ عَلَىٰ حَدِّ العموم في التي قبلها في قوله: { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَـٰنَ }؛ هذا قول الحسن وجماعة، ويشبه أَنَّ لها سبباً من رَجُلٍ قال ذلك لأبويه، فلما فرغ من ذكر المُوَفَّقِ، عَقَّبَ بذكر هذا العَاقِّ، وقد أنكرتِ عائِشَةُ أنْ تكونَ الآية نزلت في عبد الرحمن بن أبي بَكْر، وقالت: مَا نَزَلَ في آلِ أبي بَكْرٍ مِنَ القُرْآنِ غَيْرُ بَرَاءَتِي.

* ت *: ولا يُعْتَرَضُ عليها بقوله تعالى:ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ } [التوبة:40] ولا بقوله:وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ } [النور:22] كما بَيَّنَّا ذلك في غير هذه الآية، قال * ع *: والأَصوبُ أنْ تكونَ الآية عامَّةً في أَهل هذه الصفات، والدليلُ القاطعُ على ذلك: قوله تعالى: { أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِى أُمَمٍ } وكان عبدُ الرحمن بن أبي بكر ـــ رضي اللَّه عنه ـــ من أفاضل الصحابة، ومن أبطال المسلمين، ومِمَّنْ له في الإسلام غَنَاءٌ يومَ اليمامة وغيره، و { أُفٍّ } بالتنوين قراءة نافع وغيره، والتنوينُ في ذلك عَلاَمَةُ تنكيرٍ؛ كما تَسْتَطْعِمُ رَجُلاً حَدِيثاً غَيْرَ مُعَيَّنٍ فتقول: «إيهٍ» منونةً، وإنْ كان حديثاً مُشَاراً إليه قلت: «إيهِ» بغير تنوين.

وقوله: { أَتَعِدَانِنِى أَنْ أُخْرَجَ } المعنى: أَنْ أُخْرَجَ مِنَ القَبْرِ إلى الحَشْرِ، وهذا منه استفهامٌ بمعنى الهُزْءِ والاِستبعاد. { وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِى } معناه: هَلَكَتْ ومَضَتْ، ولم يخرجْ منهم أحد، { وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ } يعني: الوالدَيْنِ يقُولاَنِ له: { وَيْلَكَ ءَامِنْ }.

وقوله: { مَا هَـٰذَا إِلاَّ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } أي: ما هذا القول الذي يتضمَّنُ البَعْثَ من القبور إلاَّ شيءٌ سَطَرَهُ الأَوَّلُون في كتبهم، يعني: الشرائعَ، وظاهر ألفاظ هذه الآية أَنَّها نزلَتْ في مُشَارٍ إليه، قال: وقِيلَ له، فنعى اللَّه إلينا أقواله؛ تحذيراً من الوقوع في مثلها.

وقوله: { أُوْلَـٰئِكَ } ظاهره أَنَّها إشارة إلَىٰ جنْسٍ، و { حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } أي: قول اللَّه: إنَّهُ يُعَذِّبُهُم؛ قال أبو حَيَّان { فِى أُمَمٍ } أي: في جملة أُمَمٍ فـ«في» على بابها، وقيل: { فِى } بمعنى مع، وقد تقدم ذلك، انتهى.

وقوله: { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } يقتضى أَنَّ الجِنَّ يموتون، وهكذا فَهِمَ الآية قتادة، وقد جاء حديثٌ يقتضى ذلك.

وقوله سبحانه: { وَلِكُلٍّ دَرَجَـٰتٌ } يعني: المحسنين والمُسِيئِين، قال ابن زيد: ودرجات المحسنين تذهبُ عُلْواً، ودرجاتُ المسيئين تذهب سُفْلاً، وباقي الآية بَيِّنٌ في أَنَّ كُلَّ امرىءٍ يجتني ثَمَرَةَ عَمَلِهِ مِنْ خَيْرٍ أو شَرٍّ، ولا يُظْلَمُ في مجازاته.