الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ ٱلإنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ } * { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِٱلْبَنِينَ } * { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } * { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } * { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ }

وقوله سبحانه: { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً } أيْ: جَعَلَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ والعربِ للَّه جزءاً، أي: نصيباً وحَظًّا، وهو قولُ العَرَبِ: «الملائكة بنات اللَّه»؛ هذا قول كثير من المتأولين، وقال قتادة: المراد بالجُزْء: الأَصنَامُ وغيرها فـ { جُزْءاً } معناه: نِدًّا.

* ت *: وباقي الآية يُرَجِّحُ تأويلَ الأكثرِ.

وقوله: { أَمِ ٱتَّخَذَ }: إضرابٌ وتقريرٌ وتوبيخٌ؛ إذِ المحمود المحبوبُ من الأولاد قد خَوَّلَهُ اللَّه بني آدم، فكيفَ يتَّخِذُ هو لنفسه النصيب الأدنى، وباقي الآية بَيِّنٌ مِمَّا ذُكِرَ في «سورة النحل» وغيرها.

ثم زاد سبحانه في توبيخهم وإفساد رأيهم بقوله: { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِى ٱلْحِلْيَةِ } التقدير: أو مَنْ يُنَشَّأُ في الْحِلْيَةِ هو الذي خَصَصْتُم به اللَّه عز وجل، والحِلْيَةُ: الْحَليُ من الذهب والفضة والأحجار، و { يُنَشَّأُ } معناه: ينبت وَيَكْبُر، و { ٱلْخِصَامِ }: المحاجَّةُ ومجاذبة المحاورة، وقَلَّ ما تجد امرأة إلاَّ تُفْسِدُ الكلام وتخلط المعاني، وفي مصحف ابن مسعود: «وَهُوَ في الكَلاَمِ غَيْرُ مُبِينٍ» والتقدير: غير مُبِينٍ غَرَضاً أو منزعاً ونحو هذا، وقال ابن زيد: المراد بـ { مَنْ يُنَشَّأُ فِى ٱلْحِلْيَةِ }: الأصنامُ والأوثان، لأنَّهم كانوا يجعلون الحَلْيَ علَىٰ كثيراً منها، ويتخذون كثيراً منها من الذهب والفضة، وقرأ أكثر السبعة: «وجَعَلُوا المَلاَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمٰنِ إناثاً» وقرأ الحَرَمِيَّانِ وابنُ عَامِرٍ: «عِنْدَ الرَّحْمٰنِ إناثاً» وهذه القراءة أَدَلُّ على رفع المنزلة.

وقوله تعالى: { أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ } معناه أَأُحْضِرُوا خَلْقَهُمْ، وفي قوله تعالى: { سَتُكْتَبُ شَهَـٰدَتُهُمْ وَيُسْـئَلُونَ } وعيدٌ مُفْصِحٌ، وأسند ابن المبارك عن سليمان بن راشِدٍ؛ أنه بلغه أَنَّ ٱمْرَأً لا يشهدُ شهادةً في الدنيا إلاَّ شَهِدَ بها يومَ القيامة على رؤوس الأشهاد، ولا يمتدح عبداً في الدنيا إلاَّ امتدحه يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، قال القرطبيُّ في «تذكرته»: وهذا صحيح؛ يَدُلُّ على صِحَّتِهِ قوله تعالى: { سَتُكْتَبُ شَهَـٰدَتُهُمْ وَيُسْـئَلُونَ } وقوله:مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق:18] انتهى.