الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } * { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } * { أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ }

وقوله تعالى: { وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإِنْسَـٰنِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ... } الآية، ذَكَرَ سبحانه الخُلُقَ الذميمة من الإنسان جملةً، وهي في الكافر بَيِّنَةٌ متمكِّنة، وأَمَّا المُؤْمِنُ، ففي الأغلب يَشْكُرُ على النعمة، وكثيراً ما يصبر عند الشدة، و { نَأَىٰ } معناه: بَعُدَ ولم يَمِلْ إلَىٰ شُكْر ولا طَاعَةٍ.

وقوله: { فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ } أي: وطويلٍ أيضاً، وعبارةُ الثعلبيِّ: { عَرِيضٍ } أي: كثير، والعربُ تستعملُ الطُّولَ والعَرْضَ كليهما في الكَثرة من الكلام، انتهى.

ثم أمر تعالى نبيَّهُ أنْ يوقِّف قريشاً على هذا الاحتجاج، وموضع تغريرهم بأنفسهِم، فقال: { قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } ، وخالفتموه ألستم على هلكة؟ فمن أَضَلَّ مِمَّنْ يبقى عَلَىٰ مِثْلِ هذا الغَرَرِ مَعَ اللَّهِ؛ وهذا هو الشِّقَاقُ؛ ثم وعد تعالى نَبِيَّهُ ـــ عليه السلام ـــ بأَنَّهُ سَيُرِي الكُفَّارَ آياته، وٱخْتُلِفَ في معنى قوله سبحانه: { فِى ٱلأَفَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ } فقال المِنْهَالُ والسُّدِّيُّ وجماعةٌ: هو وَعْدٌ بما يفتحه اللَّه علَىٰ رسوله من الأقطارِ حَوْلَ مَكَّةَ، وفي غيرِ ذَلِكَ مِنَ الأَرْضِ؛ كخَيْبَرَ ونحوها { وَفِى أَنفُسِهِمْ }: أراد به فَتْحَ مَكَّةَ؛ قال * ع *: وهذا تأويلٌ حَسَنٌ، يتضمَّن الإعلام بِغَيْبٍ ظَهَرَ بَعْدَ ذلك، وقال قتادةُ والضَّحَّاكُ { سَنُرِيهِمْ ءَايَـٰتِنَا فِى ٱلأَفَاقِ }: هو ما أصاب الأُمَمَ المُكَذِّبَةَ في أقطار الأرض قديماً، { وَفِى أَنفُسِهِمْ }: يوم بدر، والتأويلُ الأَوَّلُ أرْجَحُ، واللَّه أعلم، والضمير في قوله تعالى: { أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } عائد على الشرع والقرآن فبإظهار اللَّهِ نَبِيَّهُ وفتحِ البلاد عليه يتبيَّن لهم أَنَّه الحَقُّ.

وقوله: { بِرَبِّكَ } قال أبو حَيَّان: الباء زائدة، وهو فاعل { يَكْفِّ } أي: أو لَمْ يَكْفِهِمْ رَبُّكَ، انتهى، وباقي الآية بَيِّنٌ.