الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } * { نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ } * { نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ }

وقوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ } قال سفيان بن عبد اللَّه الثَّقَفِيُّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ، قَالَ: «قُلْ: رَبِّيَ اللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقِمْ».

* ت *: هذا الحديث خَرَّجه مسلم في «صحيحه»، قال صاحب «المُفْهِمِ»: جوابه ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ من جوامع الكَلِم، وكأَنَّهُ مُنْتَزَعٌ من قول اللَّه تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ... } الآية، وتلخيصه: اعْتَدَلُوا على طاعته قولاً وفعلاً وعقداً، انتهى من «شرح الأربعين حديثاً» لاِبْنِ الفَاكِهَانِيِّ، قال * ع *: واخْتَلَفَ النَّاسُ في مقتضَىٰ قوله: { ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ } فذهب الحَسَنُ وجماعةٌ إلَىٰ أَنَّ معناه: ٱسْتَقَامُوا بالطاعاتِ وٱجتنابِ المعاصِي، وتلا عُمَرُ ـــ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـــ هذه الآيةُ على المِنْبَرِ، ثم قال: استقاموا ـــ واللَّهِ ـــ بطاعتهِ، ولم يروغوا روِغانَ الثَّعَالِبِ، قال * ع *: فذهب ـــ رحمه اللَّه ـــ إلى حَمْلِ الناس على الأَتَمِّ الأفْضَلِ، وإلاَّ فيلزم على هذا التأويل من دليل الخطاب أَلاَّ تتنزل الملائكةُ عِنْدَ الموت على غير مستقيمٍ على الطاعَةِ، وذهب أبو بكْرٍ ـــ رضي اللَّه عنه ـــ وجماعةٌ معه إلى أَنَّ المعنَىٰ: ثم: استقاموا علَىٰ قولهم: رَبُّنَا اللَّهُ، فلم يختلَّ توحيدُهُمْ، ولا ٱضطَرَبَ إيمانهم، قال * ع *: وفي الحديث الصحيح: " مَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّه، دَخَلَ الجَنَّةَ " وهذا هو الْمُعْتَقَدُ إن شاء اللَّه، وذلك أَنَّ العصاة من أُمَّةِ محمَّد وغيرها فرقتان: فأَمَّا مَنْ غفر اللَّه له، وترك تعذيبه، فلا محالة أَنَّه مِمَّن تتنزَّل عليهم الملائكة بالبشارة، وهو إنَّما استقام على توحيده فَقَطْ، وأَمَّا مَنْ قَضَى اللَّهُ بِتَعْذِيبِهِ مُدَّةً، ثم [يأمر] بإدخاله الجَنَّةَ، فلا محالة أَنَّه يلقَىٰ جميعَ ذلك عند مَوْتِهِ وَيَعْلَمُهُ، وليس يَصِحُّ أنْ تكون حاله كحالة الكافر واليائِسِ مِنْ رحمة اللَّه، وإذا كان هذا فقَدْ حَصَلَتْ له بشارة بأَلاَّ يخافَ الخُلُودَ، ولا يحزنَ منه، ويدخلَ فيمن يقال لهم: { وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ } ومع هذا كله فلا يختلف في أَنَّ المُوَحِّدَ المستقيمَ عَلَى الطَّاعَةِ أَتَمُّ حالاً وأَكمل بشارةً، وهو مقصد أمير المؤمنين عمر ـــ رضي اللَّه عنه ـــ، وبالجملة، فكُلَّما كان المرءُ أشَدَّ ٱستعداداً، كان أسْرَعَ فوزاً بفَضْلِ اللَّه تعالَىٰ؛ قال الثعلبيُّ: قوله تعالى: { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ } أي: عند الموت { أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ } قال وَكِيعٌ: والبُشْرَىٰ في ثلاثة مَوَاطِنَ: عند الموت، وفي القبر، وعند البعث، وفي البخاريِّ: { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ } أي عند الموت، انتهى، قال ابن العربيِّ في " أحكامه ": { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ } قال المُفَسِّرُونَ: عند الموت، وأنا أقول: كُلَّ يَوْم، وأَوْكَدُ الأيام: يومُ الموت، وحينَ القَبْرِ، ويَوْمُ الفزع الأكبر، وفي ذلك آثار بَيَّنَّاها في موضعها، انتهى، قال * ع *: قوله تعالى { أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ }: أَمَنَةٌ عامَّةٌ في كُلِّ هَمِّ مستأنفٍ، وتسليةٌ تَامَّةٌ عن كُلِّ فَائِتٍ مَاضٍ، وقال مجاهدٌ: المعنَىٰ: لا تخافُونَ ما تَقْدُمُونَ عليه، ولا تحزنوا عَلَىٰ ما خلًّفتم من دنياكم.

السابقالتالي
2 3