الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ } * { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { وَنَجَّيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ } * { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

وقوله تعالى: { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً... } الآية، تقدَّم قَصَصُ هؤلاء، وقرأ نافع، وأبو عمرو، وابن كثير: { نَّحِسَاتٍ } ـــ بسكون الحاء ـــ، وهي جمعُ «نَحْس» وقرأ الباقون: { نَّحِسَاتٍ } ـــ بكسر الحاء ـــ جمع «نَحِسٍ» علَىٰ وزن حَذِرٍ، والمعنَىٰ في هذه اللفظة: مشائيمُ من النَّحْسِ المعروفِ، قاله مجاهد وغيره، وقال ابن عبَّاس: { نَّحِسَاتٍ } معناه مُتَتَابِعَاتٍ، وقيل: معناه: شديدة، أي: شديدة البَرْدِ.

وقوله تعالى: { فَهَدَيْنَـٰهُمْ } معناه: بَيَّنَّا لهم؛ قاله ابن عَبَّاس وغيره، وهذا كما هي الآن شريعةُ الإسلامُ مُبَيَّنَةٌ لليهودِ والنصارَى المُخْتَلِطِينَ بنا، ولكِّنهم يعرضون ويشتغلون بالضِّدِّ، فذلك ٱستحبابُ العَمَىٰ على الهُدَىٰ، و { ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ } هو الذي معه هَوَانٌ وإذلالٌ؛ قال أبو حَيَّان: «الهون» مصْدَرٌ بمعنى «الهَوَانِ»، وُصِفَ به العذاب، انتهى، و { أَعْدَاءُ ٱللَّهِ } هم الكفار المخالفون لأمر اللَّه سبحانه، و { يُوزَعُونَ } معناه: يُكَفُّ أَوَّلُهُمْ حَبْساً على آخرهم؛ قاله قتادة، والسُّدِّيُّ، وأهل اللغة، وهذا وصف حال من أحوال الكفرة في بعض أوقات القيامة، وذلك عند وصولهم إلى جَهَنَّمَ، فإنَّه سبحانه يستقرهم عند ذلك على أنفسهم، ويسألون سؤالَ توبيخ عن كُفْرهم فيجحدُونَ، ويحسبون أَنْ لا شاهِدَ عليهِم، ويطلبون شهيداً عليهم من أنفسهم، وفي الحديث الصحيح: " إنَّ الْعَبْدَ ـــ يَعْنِي الكَافِرَ ـــ يَقُولُ: يَا رَبِّ، أَلَيْسَ وَعَدْتَنِي أَلاَّ تَظْلِمَنِي؟ قَالَ: فَإنَّ ذَلِكَ لَكَ، قَالَ: فَإنِّي لاَ أَقْبَلُ عَلَيَّ شَاهِداً إلاَّ مِنْ نَفْسِي، قَالَ فَيُخْتَمُ عَلَىٰ فِيهِ، وَتَتَكلَّمُ أَرْكَانُهُ بِمَا كَانَ يَعْمَلُ، قَالَ: فَيَقُولُ لَهُنَّ: بُعْداً لَكُنَّ، وَسُحْقاً، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أَدَافِعُ " الحديثَ، قال أبو حَيَّان: { حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا }: «ما» بعد «إِذا» زائدة للتوكيد، انتهى.