الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } * { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } * { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }

وقوله سبحانه: { وَكَذٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَـٰتُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } الآية، في مصحفِ ابن مسعودٍ «وَكَذَلِكَ سَبَقَتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ» والمعنى: وَكَمَا أَخَذَتْ أولئك المَذْكُورِينَ فَأَهْلَكَتْهُمْ، فكذلك حَقَّتْ كلماتي علَىٰ جميعِ الكُفَّارِ، مَنْ تَقَدَّمَ منْهُمْ ومَنْ تَأَخَّرَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّار.

وقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ... } الآية، أَخْبَرَ اللَّهُ سبحانَهُ بِخَبَرٍ يتضمَّنُ تَشْرِيفَ المؤمنِينَ، ويُعظِّمُ الرَّجاءَ لهم، وهو أنَّ الملائِكَةَ الحَامِلِينَ لِلْعَرْشِ والذينَ حَوْلَ العَرْشِ؛ وهؤلاءِ أفضلُ الملائِكَةِ يستغْفِرُونَ للمؤمنين، ويسألون اللَّهَ لَهُمُ الرَّحْمَةَ والجَنَّةَ؛ وهذا معنى قوله تعالى في غير هذه الآية،كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً } [الفرقان:16]أي سأَلَتْهُ الملائكةُ، قال * ع *: وفَسَّرَ في هذه الآية المُجْمَلَ الذي في قوله تعالى:وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى ٱلأَرْضِ } [الشورى:5]؛ لأَنَّ الملائِكَةَ لا تستغفرُ لكافرٍ، وقد يجوز أن يُقَال: إنَّ استغفارَهم لهمُ بمعنى طَلَبِ هدايتِهم، وبلغني أنَّ رجُلاً قال لبعض الصالحين: ٱدْعُ لي، وٱستَغْفِرْ لي، فقالَ لَهُ: تُبْ، وٱتَّبِعْ سَبِيلَ اللَّهِ يَسْتَغْفِرْ لَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، وتلا هذه الآيَةَ، وقال مُطَرِّفُ بْنُ الشِّخِّيرِ: وَجَدْنَا أَنْصَحَ الْعِبَادِ لِلْعِبَادِ المَلاَئِكَةَ، وأغَشَّ العِبَادِ لِلْعِبَادِ الشَّياطِينَ، وتلا هذه الآية، وروى جابرٌ؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: " أُذِنَ لي أَن أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ حَمَلَةِ العَرْشِ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ وَعاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِمائَةِ سَنَةٍ، قال الداوُوديُّ: وعن هارونَ بْنِ ريابٍ قال: حملةُ العَرْش ثمانيةٌ يَتَجاوبُونَ بصوْتٍ حَسَنِ، فأرْبَعَةٌ يقولونَ: سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ عَلَىٰ حِلْمِكَ بَعْدَ عِلْمِكَ، وأَرْبَعَةٌ يَقُولُونَ: سُبْحَانَكَ وبِحَمْدِكَ عَلَىٰ عَفْوِكَ بَعْدَ قُدْرَتِكَ " ، انتهى. وَرَوَىٰ أبو داودَ عن جَابِرِ بن عبدِ اللَّه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: " أُذِنَ لي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلكٍ مِنْ مَلاَئِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ العَرْشِ، إنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إلَى عَاتِقِهِ [مَسِيرَةَ] سَبْعِمَائَةِ عَامٍ " ، انتهى، وقد تقدَّم.

وقولهم: { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَىْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً } معناه: وسِعتْ رَحْمَتُكَ وَعِلْمُكَ كُلَّ شَيْءٍ.

وقوله: " ومَنْ صَلَحَ من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم " رُوِيَ عن سعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ في ذلك: أنَّ الرَّجُلَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَبل قَرَابَتِهِ، فَيَقُولُ: أَيْنَ أَبِي؟ أَيْنَ أُمِّي، أَيْنَ ٱبْنِي، أَيْنَ زَوْجِي، فيلحقونَ بِهِ؛ لِصَلاَحِهِمْ ولتنبيههِ عليهم، وطَلَبِهِ إيَّاهُمْ، وهٰذِهِ دَعْوَةُ المَلاَئِكَةِ.

وقولهم: { وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَـٰتِ } معناه: اجْعَلْ لهم وِقَايَةً تقيهمُ السيئاتِ، واللَّفْظُ يحتملُ أَنْ يكونَ الدعاءُ في أن يدفعَ اللَّهُ عنهم أنْفُسَ السيئاتِ حتَّىٰ لاَ يَنَالَهُمْ عذابٌ مِن أَجْلِهَا، ويحتملُ أَنْ يكونَ الدعاءُ في دَفْعِ العَذَابِ اللاَّحِقِ من السيئاتِ، فيكونُ في اللَّفْظِ على هذا حذْفُ مضافٍ، كأنه قال: وقِهِمْ جَزَاءَ السيِّئاتِ، قال الفَخْرُ: وقوله تعالى: { وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَـٰتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ } يعني: من تِقِ السيئاتِ في الدنيا، فَقَدْ رَحِمْتَهُ في يوم القيامةِ، انتهى، وهذا رَاجِعٌ إلى التأويل الأول.