الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } * { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَافِرُونَ }

وقوله تعالى: { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ... } الآية، هذا احتجاجٌ على قريشٍ بما أظهر سبحانه في الأمم السالفةِ من نِقمَاتِهِ في الكفارِ الذين كانوا أَكْثَرَ منهم، وأشَدَّ قُوَّةً قال أبو حيان: { فَمَا أَغْنَىٰ } «مَا» نافيةٌ أو استفهامية بمعنى النفي، انتهى.

وقوله سبحانه: { فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَـٰتِ } الآية، الضميرُ في (جاءتهم) عائدٌ على الأمم المذكورةِ، واخْتَلفَ المفسِّرونَ في الضميرِ في { فَرِحُواْ } على مَنْ يَعُودُ؟ فقال مجاهدٌ وغيره: هو عائد على الأممِ المذكُورِينَ، أي: فَرِحُوا بما عِنْدَهُمْ من الْعِلْمِ في ظَنِّهِمْ ومُعْتَقَدِهِمْ من أنهم لا يُبْعَثُونَ ولا يحاسَبُونَ، قال ابن زيد: واغترُّوا بعلمِهِم بالدنيا والمعاش، وظنوا أنه لا آخرة؛ فَفَرِحُوا وهذا كقوله تعالى:يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } [الروم:7] وقالت فرقة: الضميرُ في { فَرِحُواْ } عائدٌ على الرُّسُلِ، وفي هذا التأويلِ حَذْفٌ وتقديره: فلما جَاءتهم رسُلُهم بالبيناتِ، كذَّبُوهُمْ فَفَرِحَ الرُّسُلُ بما عندَهم من العلمِ باللَّهِ والثقةِ به، وبأنه سينصُرُهُمْ، والضمير في { بِهِمُ } عائدٌ على الكفارِ بلا خِلافٍ، ثم حَكَىٰ سبحانَهُ حالةَ بَعْضِهِمْ مِمَّنْ آمَنَ بَعْدَ تَلَبُّسِ العذابِ بهِم، فَلمْ يَنْفَعْهم ذلك؛ وفي ذكر هذا حضٌّ على المبادرة.

و { سُنَتَ } نصبٌ على المصدرِ، * ت *: وقيل: المعنى: احْذَرُوا سُنَّةَ اللَّهِ، كقوله:نَاقَةُ ٱللَّهِ } [الشمس:13] قَالَ الفَخْرُ، وقوله: { هُنَالِكَ }: اسْمُ مَكَانٍ مُسْتَعَارٌ للزَّمَانِ، أي: وخَسِرُوا وقتَ رؤية البأْس، انتهى، وصلى اللَّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً.