الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً } * { وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً }

وقوله تعالى: { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ... } الآية: المعنى: أَفلا يتدبَّر هؤلاءِ المنافقُونَ كَلاَمَ اللَّه تعالَىٰ، فتظهر لهم براهِينُهُ، وتلُوح لهم أدلَّته، قُلْتُ: ٱعْلَمْ (رحمك اللَّه تعالى)؛ أنَّ تدبُّر القرآن كفيلٌ لصاحبه بكُلِّ خير، وأما الهَذْرَمَة والعَجَلَةُ، فتأثيرُها في القَلْب ضعيفٌ؛ قال النوويُّ (رحمه اللَّه): وقد كَرِهَ جماعةٌ من المتقدِّمين الخَتْمَ فِي يومٍ وليلةٍ؛ ويدلُّ عليه ما رُوِّينَاهُ بالأسانيدِ الصَّحيحة في سُنَن أبي دَاوُد، والتِّرمذيِّ، والنَّسَائِيِّ وغيرها، عن عبد اللَّه بْنِ عَمْرِو بْنَ العَاصِي، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لاَ يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ " انتهى.

قال * ع*: والتدبُّر هو النظر في أعقابِ الأُمُور وتأويلاتِ الأشياءِ، هذا كلُّه يقتضيه قولُهُ سبحانه: { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ } ، وهذا أمرٌ بالنَّظَرِ والاستدلالِ، ثم عَرَّف تعالى بِمَوْقِعِ الحُجَّة، أي: لو كان مِنْ كلامِ البَشَر، لَدَخَلَهُ مَا فِي البَشَرَ من القُصُور، وظهر فيه التناقُضُ والتنافِي الَّذي لا يُمْكِنُ جَمْعُه؛ إذ ذلك موجودٌ في كلامِ البَشَرِ، والقرآنُ منزَّه عنه؛ إذ هو كلامُ المحيطِ بِكُلِّ شيء سبحانه.

قال * ع *: فإن عرضَتْ لأحدٍ شبهةٌ، وظنَّ ٱختلافاً في شَيْءٍ مِنْ كتابِ اللَّه، فالواجبُ أنْ يتَّهم نَظَرَهُ ويسأَلَ مَنْ هو أعلَمُ منه.

وقوله تعالى: { وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ... } الآية: قال جُمْهور المفسِّرين: إن الآيةَ من المنافِقِينَ حَسْبما تقدَّم، والمعنَىٰ: أنَّ المنافقين كانوا يتشوَّفون إلَىٰ سماعِ ما يُسِيءُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فإذا طَرَأَتْ لهم شبهةُ أَمْنٍ للمسلمينَ، أو فَتْحٍ عليهم، حَقَّرُوهَا وصَغَّروا شأنَها، وأذاعوا ذلك التحْقيرَ والتَّصْغِيرَ، وإذا طرأت لهم شُبْهَةُ خوفٍ للمسْلِمينَ أو مُصِيبةٍ، عَظَّموها، وأذاعوا ذلك، و { أَذَاعُواْ بِهِ }: معناه: أَفْشَوْهُ، وهو فِعْلٌ يتعدَّىٰ بحرفِ الجَرِّ وبنفسه أحياناً.

وقالت فرقة: الآية نزلَتْ في المنافقين، وفِيمَنْ ضَعُفَ جَلَدُه، وقَلَّتْ تجْرِبَتُهُ مِنَ المؤمنين؛ وفي الصحيحِ مِنْ حديثِ عُمَرَ بْنِ الخطَّاب (رضي اللَّه عنه)؛ أنه جَاءَ، وَقَوْمٌ فِي المَسْجِدِ، يَقُولُونَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ، ثُمَّ قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ فَقَالَ: لاَ، قَالَ عُمَرُ: فَقُمْتُ عَلَىٰ بَابِ المَسْجِدِ، فَقُلْتُ: أَلاَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُطَلِّقْ نِسَاءَهُ، فأنزَلَ اللَّه تعالَىٰ هذه الآيةَ.

{ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ... } الآية؛ قال: وَأَنَا الَّذِي ٱسْتَنْبَطْتُهُ.

وقوله تعالى: { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ... } الآية: المعنَىٰ: لو أمسكوا عن الخَوْض وٱستقْصَوْا الأمرِ مِنْ قِبَلِ الرسولِ، وأولِي الأمْر، وهم الأَمَرَاءُ والعُلَمَاءُ، لَعَلِمَهُ طُلاَّبُهُ مِنْ أُولِي الأمْرِ، والبَحَثَةِ عنه، وهم مستنْبِطُوهُ؛ كَمَا يُسْتَنْبَطُ الماءُ، وهو ٱستخراجُهُ مِنَ الأرْضِ.

وقوله سبحانه: { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ.

السابقالتالي
2