الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً }

وقوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـئَايَـٰتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً... } الآية: لما تقدَّم في الآية وصْفُ المَرَدَةِ مِنْ بني إسرائيل وذِكْرُ أفعالهم وذُنُوبِهِمْ، جاءَتْ هذه الآيةُ بالوَعيدِ النَّصِّ لهم بلفظٍ جَلِيٍّ عَامٍّ لهم ولغيرهم؛ مِمَّنْ فَعَلَ فِعْلَهم من الكفرة، واختلف في مَعْنَىٰ تَبْدِيل الجُلُودِ.

فقالت فرقةٌ: تُبَدَّلُ عليهم جُلُودٌ أغْيَارٌ؛ إذْ نفوسُهم هي المعذَّبة، والجلودُ لا تَأْلَمُ في ذَاتِها، وقالتْ فرقة: تبديلُ الجُلُودِ هو إعادَةُ ذلك الجِلْدِ بعينِهِ الذي كان في الدُّنيا، وإنما سَمَّاه تبديلاً؛ لأنَّ أوصافه تتغيَّر، قال الحَسَنُ بْنُ أبي الحَسَن: تُبَدَّلُ علَيْهم في اليومِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَرَّةٍ (عافَانا اللَّه مِنْ عذابِهِ برَحْمَتِهِ).

ولما ذكر سبحانه وعيدَ الكُفَّار، عَقَّبَ بوَعْد المُؤْمنين بالجَنَّة على الإيمانِ والأعمالِ الصَّالحة، و { ظَلِيلاً }: معناه عند بعضهم: يَقِي الحَرَّ والبَرْدَ، ويصحُّ أنْ يريدَ أنه ظِلٌّ لا يستحيلُ ولا يتنقَّلُ، وصح وصفه بظَلِيلٍ؛ لامتداده، فقد قال صلى الله عليه وسلم: " إنَّ فِي الجَنَّةِ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ الجَوَادُ المُضَمَّرُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ مَا يَقْطَعُهَا " ، وَرَأَيْتُ لِبَعْضِهِمْ مَا نَصُّهُ وذكر الطبريُّ في كتابه، قال: لما خَلَق اللَّهُ عزَّ وجلَّ الجنَّةَ، قالَ لَهَا: ٱمْتَدِّي، فقَالَتْ: يا ربِّ، كَمْ، وإلىٰ كَمْ؟ فَقَالَ لها: ٱمْتَدِّي مِائَةَ أَلْفِ سَنَةٍ، فٱمتدَّتْ، ثم قالَ لَهَا: ٱمْتَدِّي، فقالَتْ: يا ربِّ: كَمْ، وَالَىٰ كَمْ؟ فقالَ لَهَا: امتدِّي مِائَةَ أَلْفِ سَنَةٍ، فٱمْتَدَّتْ، ثم قال لَهَا: ٱمْتَدِّي، فقالَتْ: يَا رَبِّ: كَمْ، وَإلَىٰ كَمْ؟ فَقَالَ لَهَا: ٱمْتَدِّي مِقْدَار رَحْمَتِي، فَٱمْتَدَّتْ، فَهِيَ تَمْتَدُّ أَبَدَ الآبِدِينَ، فَلَيْسَ لِلجَنَّةِ طَرَفٌ؛ كَمَا أنَّهُ لَيْسَ لِرَحْمَةِ اللَّهِ طَرَفٌ. انتهى، فهذا لا يُعْلَمُ إلا من جهة السَّمْع، فهو ممَّا ٱطَّلَعَ عليه الطبريُّ، وهو إمامٌ حافظٌ محدِّثٌ ثقةٌ؛ قاله الخطيبُ أحمدُ بْنُ عليِّ بْنِ ثابتٍ.