وقوله سبحانه: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَـٰبِ يَشْتَرُونَ ٱلضَّلَـٰلَةَ... } الآية: { أَلَمْ تَرَ }: مِنْ رؤية القَلْب، وهي عِلْمٌ بالشيء، والمراد بـ «الَّذِينَ»: اليهودُ؛ قال قتادة وغيره، ثم اللفظ يتناوَلُ معهم النصارَىٰ، وقال ابن عبَّاس: نزلَتْ في رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدِ بنِ التَّابُوتِ اليهوديِّ، والكتابُ: التوراةُ والإنجيلُ، و { يَشْتَرُونَ }: عبارةٌ عن إيثارهم الكفْرَ، وتركِهِمُ الإيمانَ، وقالتْ فرقة: أراد الَّذِينَ كانوا يُعْطُون أموالهم للأحبارِ علَىٰ إقامةِ شَرْعِهِمْ، فهو شراءٌ حقيقةً، { وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ } معناه: أنْ تَكْفُروا. وقوله سبحانه: { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ } خبرٌ في ضمنه التحذيرُ منهم، { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّاً } ، أيْ: ٱكْتَفُوا باللَّه وليًّا. وقوله سبحانه: { مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ } ، قال بعضُ المتأوِّلين: «مِنْ» راجعةٌ على «الَّذِينَ» الأُولَىٰ، وقالتْ فرقة: «مِنْ» متعلِّقة بـــ «نَصِيراً»، والمعنَىٰ: ينصُرُكم من الذين هَادُوا، فعلَىٰ هذين التأويلَيْن لا يُوقَفُ في قوله: «نَصِيراً»، وقالتْ فرقة: هي ٱبتداءُ كلامٍ، وفيه إضمارٌ، تقديره: قَوْمٌ يحرِّفون، وهذا مذهبُ أبي عَلِيٍّ، وعلَىٰ هذا التأويلِ يُوقَفُ في «نَصِيراً»، وقول سيبَوَيْهِ أصْوَبُ؛ لأنَّ إضمار الموصولِ ثقيلٌ، وإضمار الموصوفِ أسهلُ، وتحريفهم للكلامِ علَىٰ وجْهَيْنِ، إما بتغييرِ اللفظِ، وقد فَعَلُوا ذلك في الأقَلِّ، وإمَّا بتغيير التَّأْويلِ، وقد فَعَلُوا ذلك في الأكْثَرِ، وإليه ذهب الطَّبَرِيُّ، وهذا كلُّه في التوراة؛ علَىٰ قولِ الجُمْهورِ، وقالتْ طائفة: هو كَلِمُ القُرآن، وقال مَكِّيٌّ: هو كلامُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فالتَّحْرِيفُ علَىٰ هذا في التأويلِ. وقوله تعالى عنهم: { سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } عبارةٌ عَنْ عُتُوِّهم في كُفْرهم وطُغْيانِهِمْ فيه، و { غَيْرَ مُسْمَعٍ }: يتخرَّج فيه معنيانِ: أحدُهُما: غير مأمور وغير صاغر؛ كأنهم قالوا: غَيْرَ أَنْ تُسَمَّعَ مأموراً بذلك. والآخر: على جهة الدعاءِ، أي: لاَ سَمِعْتَ؛ كما تَقُولُ: ٱمْضِ غَيْرَ مُصِيبٍ، ونحو ذلك، فكانَتِ اليهودُ إذا خاطَبَتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بــ { غَيْرَ مُسْمَعٍ } ، أَرادَتْ في الباطِنِ الدعاءَ علَيْه، وأَرَتْ ظاهراً؛ أنها تريدُ تعظيمَهُ، قال ابنُ عبَّاس وغيره نحوه، وكذلكَ كَانُوا يُرِيدُونَ منه في أَنْفُسِهِمْ معنَى الرُّعُونَة، وحكَىٰ مَكِّيٌّ معنَىٰ رِعَايَةِ الماشِيَةِ، ويُظْهِرُونَ منه مَعْنَى المُرَاعَاةِ، فهذا مَعْنَىٰ لَيِّ اللسانِ، وقال الحسنُ ومُجَاهد: { غَيْرَ مُسْمَعٍ } ، أي: غَيْرَ مقبولٍ منك، وَ { لَيّاً }: أَصله «لَوْياً»، و { طَعْناً فِي ٱلدِّينِ }: أيْ: توهيناً له وإظهاراً للإستخفافِ به. قال * ع *: وهذا اللَّيُّ باللسانِ إلَىٰ خلافِ مَا في القَلْبِ موجُودٌ حتَّى الآن فِي بَنِي إسرائيل، ويُحْفِظُ منه في عَصْرنا أمثلة إلاَّ أنه لا يَلِيقُ ذِكْرُهَا بهذا الكتَابِ. وقوله تعالى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ... } الآية: المعنَىٰ: ولو أنهم آمنوا وسمعوا وأطاعوا، و { أَقْوَم }: معناه: أعْدَلُ وأصوَبُ، و { قَلِيلاً }: نعْتٌ إما لإِيمانٍ، وإما لِنَفَرٍ، أوْ قَوْمٍ، والمعنى مختلفٌ.