الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً }

وقوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ... } الآية: مِثْقَال: مِفْعَال من الثّقل، والذَّرَّة: الصغيرةُ الحَمْرَاءُ مِنَ النَّمْلِ، ورُوِيَ عنِ ابْنِ عبَّاس؛ أنه قال: الذَّرَّة: رأسُ النملةِ، وقرأ ابنُ عَبَّاس: «مِثْقَالَ نَمْلَةٍ»؛ قال قتادةُ عن نَفْسه، ورواه عَنْ بعض العلماء: لأَنْ تَفْضُلَ حَسَنَاتِي علَى سَيِّئاتِي بِمِثْقَالِ ذَرَّةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيا جميعاً.

وقوله سبحانه: { وَإِن تَكُ حَسَنَةً }: التقديرُ: وإِنْ تك زِنَةُ الذَّرَّةِ، وفي " صحيح مُسْلم " وغيره، مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّم، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ: سَلِّمْ سَلِّمْ " ، وفيه: " فَيَمُرُّ المُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ العَيْنِ، وَكَالْبَرْقِ، وَكَالرِّيحِ، وكَالطَّيْرِ، وَكَأَجَاوِيدِ الخَيْلِ، وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمخْدُوشَّ مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ حَتَّى إِذَا خَلُصَ المُؤْمِنُونَ مَنَ النَّارِ، فَوالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْكُمْ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِيفَاءِ الحَقِّ مِنَ المُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ فِي النَّارِ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا، كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا، وَيُصَلُّونَ، وَيَحُجَّونَ، فَيُقَالَ لَهُمْ: أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ، فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ فَيُخْرِجُونَ خَلْقَاً كَثِيراً، قَدْ أَخَذَتِ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ، وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا، مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بهِ، فَيَقُولُ: ارْجِعُوا، فَمَنْ وَجَدتُّمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ، فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقاً كَثِيراً، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا، لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَداً مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ، ثُمَّ يَقُولُ ارْجِعُوا، فَمَنْ وَجَدتُّمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ، فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقاً كَثِيراً، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا، لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَداً مِمَّنْ أَمَرْتَنَا، ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا، فَمَنْ وَجدتُّمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ، فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقاً كَثِيراً، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا، لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْراً " ، وكان أبو سعيدٍ الخدريُّ يَقُولُ: إِن لم تصدِّقوني في هذا الحديث، فاقرءوا إِن شئْتُمْ: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } ، فيقول اللَّه عزَّ وجلَّ: " شَفَعَتِ المَلاَئِكَةُ، وشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ المُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْماً لَمْ يَعْمَلُوا خَيْراً قَطُّ... " الحديثَ. انتهى.

ولفظُ البخاريِّ: " فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ لِي مُنَاشَدَةً فِي الحَقِّ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنَ المُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ، إِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجُوا فِي إِخْوَانِهِم... " الحديثَ.

وقرأ نافع وابنُ كَثيرٍ: { حَسَنَةٌ } (بالرفع)؛ على تمام «كَانَ»، التقدير: وإِنْ تُوجَدْ حَسَنَةٌ، ويُضَاعِفْهَا: جوابُ الشرطِ، وقرأ ابن كَثِيرٍ: «يُضَعِّفْهَا»، وهو بناء تكثيرٍ يقتضِي أكْثَرَ مِنْ مرَّتين إِلَى أقصَى ما تريدُ مِنَ العدد، قال بعضُ المتأوِّلين: هذه الآيةُ خُصَّ بها المهاجِرُون؛ لأن اللَّه تعالَى أعلَمَ في كتابه؛ أنَّ الحَسَنَةَ لكُلِّ مؤُمِنٍ مضاعَفَةً عَشْرَ مرارٍ، وأَعْلَمَ في هذه الآيةِ أنها مُضَاعَفَةٌ مراراً كثيرةً؛ حَسْبما رَوَى أبو هُرَيْرة مِنْ أنَّها تُضَاعَفُ ألْفَيْ أَلْفِ مَرّضةٍ، وروى غيره: أَلْفَ أَلْفِ مَرَّةٍ، وقال بعضُهم: بَلْ وعد بذلك جَمِيعَ المؤمنينَ.

السابقالتالي
2