الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً } * { يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ ٱلإِنسَانُ ضَعِيفاً }

وقوله تعالى: { يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ... } الآية: التقديرُ عندَ سيبَوَيْهِ: يريد اللَّهُ لأنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ، ويَهْدِيَكُمْ، بمعنَىٰ: يُرْشِدَكُمْ، والسُّنَنُ: الطُّرُقُ، ووجوهُ الأمورِ، وأَنحاؤُها، والَّذِينَ مِنْ قبلنا: هم المؤمِنُونَ مِنْ كُلِّ شريعةٍ.

وقوله سبحانه: { وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ... } الآية: مَقْصِدُ هذه الآيةِ الإخبارُ عن إرَادَة الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ، فقُدِّمَتْ إرادةُ اللَّه تعالَىٰ تَوْطِئَةً مُظْهِرة لفسَادِ إرادة مُتَّبِعِي الشهواتِ، واختلف المتأوِّلون في تَعْيينِ مُتَّبِعِي الشَّهَوَات، فقال مجاهدٌ: هم الزناةُ، وقال السُّدِّيُّ: هم اليهودُ والنصارَىٰ، وقالَتْ فرقة: هم اليهودُ خاصَّة؛ لأنَّهم أرادوا أنْ يتبعهم المُسْلِمُونَ في نِكَاحِ الأَخَوَاتِ مِنَ الأب، وقال ابنُ زَيْد: ذلك على العمومِ في هؤلاءِ، وفي كُلِّ متَّبعِ شهوةٍ؛ ورجَّحه الطبريُّ.

وقوله تعالى: { يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ... } الآية: أي: لَمَّا علمنا ضَعْفَكُمْ عَنِ الصَّبْر عن النِّساء، خَفَّفنا عَنْكم بإباحة الإماء، قاله مجاهدٌ وغَيْره، وهو ظاهرُ مقصودِ الآيةِ، ثم بَعْدَ هذا المَقْصِدِ تَخْرُجُ الآية مَخْرَجَ التفضُّلِ؛ لأنها تتناوَلُ كُلَّ ما خفَّفه اللَّه سبحانَهُ عَنْ عباده، وجعله الدِّينَ يُسْراً، ويقع الإخبار عن ضَعْف الإنْسَان عامًّا؛ حَسْبَما هو في نَفْسه ضعيفٌ يستَمِيلُهُ هواه في الأغْلَب.