الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَٰضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } * { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ مُحْصَنَٰتٍ غَيْرَ مُسَٰفِحَٰتٍ وَلاَ مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَانٍ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

وقوله تعالى: { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ } عطْفاً على المُحَرَّمَاتِ، قيل: والتحصُّن التمنُّع، ومنه الحِصْن، وحصنت المرأة: ٱمتنعَتْ بوجه مِنْ وُجُوه الاِمتناعِ، وأَحْصَنَتْ نَفْسَهَا، وأَحْصَنَهَا غيْرُها، والإحْصَانُ تستعمله العَرَبُ في أربعةِ أشياءَ، وعلَىٰ ذلك تصرَّفَتِ اللفظة في كتاب اللَّهِ عزَّ وجلَّ: فتستعملُهُ في الزَّوَاجِ؛ لأنَّ مِلْكَ الزَّوْجِ منعة وحفظ، وتستعمله في الحرِّيَّة؛ لأنَّ الإماء كان عُرْفُهُنَّ في الجاهليَّة الزِّنَا، والحُرَّةُ بخلافِ ذلك؛ ألا تَرَىٰ إلَىٰ قول هندٍ: «وهَلْ تَزْنِي الحُرَّةُ»، وتستعمله في الإسلام؛ لأنه حافظٌ، وتستعمله في العِفَّة؛ لأنها إذا ٱرتبطَ بها إنسانٌ، وظهرَتْ علَىٰ شَخْصٍ مَّا، وتخلَّق بها، فهي مَنَعَةٌ وحفْظٌ.

وحيثما وقعتِ اللفظة في القرآن، فلا تجدُها تخرُجُ عن هذه المعانِي، لكنَّها قد تَقْوَىٰ فيها بعضُ هذه المعانِي دُونَ بَعْض؛ كما سيأتي بيانُهُ في أماكنه (إن شاء اللَّه).

فقوله سبحانه في هذه الآية: { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ } قال فيه ابنُ عَبَّاس وغيره: هنَّ ذواتُ الأزواجِ، محرَّماتٌ إلاَّ ما ملكَتِ اليمينُ بِالسَّبْيِ، ورُوِيَ عن ابنِ شِهَابٍ؛ أنه سُئِلَ عن هذه الآية: { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنِّسَاءِ } ، فقال: نُرَىٰ أنه حَرَّم في هذه الآية ذَوَاتِ الأزواجِ، والعَفَائِفَ مِنْ حَرَائِرَ ومملوكاتٍ، ولم يحلَّ شيءٌ من ذلك إلاَّ بنكاحٍ، أو شراءٍ، أو تملُّك، وهذا قولٌ حَسَنٌ عَمَّم لفظَ الإحصانِ، ولَفْظَ ملكِ اليمين، وذلك راجعٌ إلى أنَّ اللَّه حَرَّم الزنا، قال عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ وغيره: قوله سبحانه: { كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ }: إشارةٌ إلَىٰ ما ثبت من القرآن من قوله سبحانه:مَثْنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَاعَ } [النساء:3]؛ وفي هذا بُعْدٌ، والأظْهَرُ أنَّ قوله: { كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } ، إنما هو إشارة إلى التحريم الحاجِزِ بَيْنَ الناسِ، وبَيْنَ ما كانَتِ الجاهليةُ تفعله.

قال الفَخْر: و { كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ }: مصْدَرٌ من غير لفظ الفَعْلِ، قال الزَّجَّاج: ويجوزُ أَنْ يكونَ مَنْصُوباً علَىٰ جهة الأَمْرِ، ويكون { عَلَيْكُمْ } خبراً له، فيكون المعنَى: ٱلْزَمُوا كتابَ اللَّهِ. انتهى.

وفي «التمهيد» لأبي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ البَرِّ: { كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ }: أي: حكمه فيكُمْ وقضاؤُه عليكم. انتهى.

وقوله سبحانه: { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ } ، قال عطاء وغيره: المعنَىٰ: وأُحِلَّ لكم ما وراء مَنْ حُرِّم، قلْتُ: أي: علَىٰ ما عُلِمَ تفصيله مِنَ الشريعة.

قال * ع *: و { أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوٰلِكُمْ }: لفظٌ يجمع التزوُّجَ والشراءَ، و { مُّحْصِنِينَ }: معناه: متعفِّفين، أي: تُحْصِنُونَ أنفسكم بذلك، { غَيْرَ مُسَـٰفِحِينَ } ، أي: غَيْرَ زُنَاةٍ، والسِّفَاحُ: الزنا.

وقوله سبحانه: { فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَـئَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } ، قال ابن عَبَّاس وغيره: المعنَىٰ: فإذا استمتعتم بالزوْجَة، ووَقَعَ الوطْء، ولو مرَّةً، فقد وجَب إعطاء الأجْرِ، وهو المهر كلُّه، وقال ابنُ عَبَّاس أيضاً وغيره: إن الآية نزلَتْ في نكاح المُتْعة، قال ابنُ المُسَيَّب: ثم نُسِختْ.

قال * ع *: وقد كانَتِ المتعةُ في صَدْرِ الإسلامِ، ثم نَهَىٰ عنها النبيُّ صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2