وقوله تعالى: { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ } ، أي: يعدُهُم بأباطِيلهِ من المالِ، والجاهِ، وأنْ لا بَعْثَ، ولاَ عِقَابَ، ونَحْوِ ذلك لكلِّ أحدٍ مَّا يليقُ بحاله، ويمنِّيهم كذلك، ثم ابتدأ سبحانه الخَبَرَ عن حقيقةِ ذَلِكَ؛ بقوله: { وَمَا يَعِدُهُمْ ٱلشَّيْطَـٰنُ إِلاَّ غُرُوراً } ثم أخْبَرَ سبحانه بمَصِيرِ المتَّخِذِينَ الشَّيْطَان وَليًّا، وتوعَّدهم بأنَّ مأُوَاهُمْ جهنَّم، لا يدافِعُونها بِحِيلَةٍ، ولا يتروَّغون، و { مَحِيصاً }: مِنْ حَاصَ؛ إذَا رَاغَ ونَفَرَ؛ ومنه قولُ الشَّاعر: [الطويل]
وَلَمْ نَدْرِ إنْ حِصْنَا مِنَ المَوْتِ حَيْصَةً
كَمِ الْعُمْرُ بَاقٍ وَالْمَدَىٰ مُتَطَاوِلُ
ومنْه الحديثُ: " فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الوَحْشِ " ، ولما ذكر سبحانه ما تقدَّم من الوعيد، واقتضَىٰ ذلك التحذيرَ، عقَّبَ ذلك عزَّ وجلَّ بالترغيبِ في ذِكْره حالةَ المُؤْمنين، وأعْلَمَ بصحَّة وعده، ثم قرَّر ذلك بالتَّوْقِيفِ علَيْه في قوله: { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلاً } ، والقيلُ والقَوْلُ واحدٌ، ونصبه على التمييز.