الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } * { قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ عَالِمَ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ مِن سُوۤءِ ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ } * { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَـسَبُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { فَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { قَدْ قَالَهَا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَـٰؤُلاَءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ } * { أَوَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

وقوله تعالى: { وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ... } الآية، قال مجاهدٌ وغيره نَزَلَتْ في قراءةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم سورةُ النَّجم عِنْدَ الكَعْبَةِ بِمَحْضَرٍ من الكُفَّارِ، وقرأأَفَرَءيْتُمُ ٱللَّـٰتَ وَٱلْعُزَّىٰ... } [النجم:19] الآية، وألقى الشيطانُ يَعْنِي في أسْمَاعِ الكفارِ (تلك الغَرِانِقَةَ العُلَىٰ) عَلَى مَا مَرَّ في سُورَةِ الحَج، فَاسْتَبْشَرُوا، واشمأَزَّتْ نُفُوسُهُمْ: معناه: تَقَبَّضَتْ كِبْراً وأَنَفَةً وكَرَاهِيَةً ونَفُوراً.

وقوله تعالى: { قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ... } الآية، أَمْرٌ لنبيهِ ـــ عليه السلام ـــ بالدعاءِ إليه وَرَدِّ الحُكْم إلَىٰ عَدْلِهِ، ومعنَىٰ هذا الأَمْرِ تَضمُّنُ الإجابةِ.

وقوله تعالى: { وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ } قال الثعلبيُّ: قال السُّدِّيُّ: ظَنُّوا أشياءَ أَنَّهَا حسناتٌ فبدَتْ سَيِّئاتٍ، قال * ع *: قال سفيانُ الثوريُّ: ويلٌ لأهل الرياءِ مِن هذه الآية، وقال عكرمة بن عَمَّار: جَزع محمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ عند المَوْتِ، فقيل له: ما هَذَا؟ فقال: أخافُ هذه الآيةَ { وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ }.

وقوله تعالى: { ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَـٰهُ نِعْمَةً مِّنَّا... } الآية، قال الزَّجَّاجُ: التَّخْوِيلُ العطاءُ عَنْ غَيْرِ مُجَازَاةٍ، والنِّعْمَةُ هنا عامَّةٌ في المالِ وغيرِه، وتَقْوَى الإشارةُ إلى المالِ بقوله: { إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ } قال قتادة: يريد إنما أُوتيتُهُ علَىٰ علْمٍ مِنِّي بوجهِ المَكَاسِبِ والتِّجاراتِ، ويحتملُ أن يريد: علَىٰ عِلْمٍ من اللَّهِ فيَّ وٱستحقاقٍ حُزْتُهُ عندَ اللَّه، ففي هذا التأويلِ اغترارٌ باللَّه، وفي الأول إعْجَابٌ بالنَّفْسِ، ثم قال تعالى: { بَلْ هِىَ فِتْنَةٌ } أي: ليس الأمْرُ كما قَال؛ بل هذه الفَعْلَةُ بهِ فِتْنَةٌ له وٱبتِلاَءٌ، ثم أَخْبَرَ تَعالَىٰ عمَّنْ سَلَفَ من الكَفَرَةِ؛ أَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا هذه المقالَةَ كَقَارُونَ وغيره، { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } مَنَ الأمْوَالِ، { وَٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَـؤُلاَءِ } المعاصرينَ لَكَ، يا مُحَمَّدُ، { سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ }. قال أبو حَيَّان: { فَمَا أَغْنَىٰ } يحتملُ أن تَكونَ «ما» نافيةً أو استفهاميةً فيها معنى النّفْي، انتهى.